من المؤكد والثابت علميا إن إلحاق الأطفال بمرحلة رياض الأطفال تساعد وتفيد بدرجة كبيرة في تنمية جوانب نموهم النفسية والجسمية والعقلية والحركية والإدراكية واللغوية كما تساهم أيضا في تطوير قدراتهم وميولهم وبالتالي تحقيق توافقهم الشخصي و الاجتماعي.
ويؤكد الأستاذ الدكتور جمال شفيق أستاذ علم النفس الاكلينيكي بجامعه عين شمس وأمين لجنة قطاع الطفولة ورياض الأطفال بالمجلس الأعلى للجامعات، ونظرا لأن الأطفال يلتحقون برياض الأطفال وهم في مرحلة "الطفولة المبكرة"، تلك المرحلة النمائية التي تتحدد فيها أسس شخصية الطفل وملامحها.
لذلك: فان اى خبرات معينة تحدث في هذه المرحلة الباكرة من حياة الطفل يمكن إن تترك بصماتها وأثارها "الإيجابية أو السلبية"، على أحواله وسلوكه وتصرفاته وشخصيته، ليس في هذه المرحلة فقط ، وإنما تمتد هذه الآثار اى كان نوعها طوال فترة حياته.
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى إنه يجب إن نضع في اعتبارنا إن ذهاب الأطفال إلى الروضة يمثل في حد ذاته "الأزمة النفسية الثالثة"، التي تواجه الأطفال ،بعد تعرضهم مسبقا "للازمة النفسية الأولى"، وهى "أزمة أو صدمة الميلاد" والتي تتحدد في انفصال الجنين عن رحم إلام الذي كان يعيش بداخله وتلبى له ما فيه جميع مطالبه واحتياجاته الفسيولوجية بصورة مثالية ودقيقة ومحكمة ربانيا ، حيث يفاجأ ويصدم عقب الولادة .. بمواجهة عالم أخر جديد مختلف تماما عما عايشه وتمتع وتنعم به.
بمواجهة عالم أخر جديد مختلف تمام عما عايشه وتمتع ونعم به وتعود عليه لمدة تسعة أشهر في بطن أمه إما "الأزمة أو الصدمة الثانية"، التي يمر بها الأطفال هي، "أزمة الفطام" وهى إن الطفل بعد إن كان يعتمد في غذائه على ثدي أمه، واحتضانها له وحنوها عليه إثناء عملية الرضاعة ، فانه وحسب قلة وعيه وفهمه وإدراكه في مرحلة الرضاعة ، غالبا ما يربط بين منع الثدي عنه وبين منع الحب والعطف والحنان والاهتمام ، لذا فنه ينصح نفسيا وتربويا بان يكون فطام الطفل تدريجيا وليس فجاءة.
وإذا ما نظرنا إلى "الصدمة الثالثة"، التي قد يواجهها الأطفال إثناء فترة حياتهم النمائية فهي صدمة أو "أزمة الفطام النفسي" والانفصال عن الأسرة والذهاب إلى الروضة.
حيث إن الروضة قد تمثل لمعظم الأطفال في هذه السن الباكرة من عمرهم مكان جديد وغريب ، وشديد الاتساع إذا ما قورن ببيئة المنزل ، لم يخبره ولم يألفه من قبل ، يتعامل بداخله مع أشخاص كثيرين غرباء بالنسبة له ، لا يعرفهم ولا يعرفونه.
وهنا يدرك الطفل ويستشعر مدى النقلة الكبيرة في حياته ، لأنه إثناء وجوده داخل الأسرة فان الجميع من: الأب وإلام والإخوة والأخوات مهتمين به وبخدمته وبتلبية كل مطالبه و احتياجاته دون إن يطلبها أو يسال عنها، فالكل ملتف حوله يساعده، ويعاونه، يحميه و يدافع عنه حتى في أماكن اللعب و النزهة والترفية، لدرجة أنهم يعتذرون شخصيا نيابة عنه عندما يصدر، منه اى خطا أو تصرف أو سلوك غير لائق أو غير مناسب، غير انه عندما يذهب الطفل للروضة ولأول مرة، فان الأمر يكون مختلف تماما ، حيث يقبل الأطفال على بيئة جديدة تحكمها النظم والقواعد والضوابط المختلفة ، فهناك نظام الفصل والحصة والكتب وبعض الواجبات المدرسية، "التي تعطى خلسة" والانضباط والالتزام بالمواعيد ، والتعامل الاجتماعي مع المشرفة والإقران.
وقد يكون هناك دور أو سلوكيات أو تصرفات من قبل احد الوالدين آو كليهما أو كل إفراد الأسرة ، إذا إن بعض أولياء الأمور وبحكم عاطفتهم وحبهم الشديد والمبالغ فيه للطفل ، يريدون دائما رؤية طفلهم إمام أعينهم في كل وقت وفى كل مكان ، بل إن البعض من أولياء الأمور قد نجدهم في حالة "شبة هيستيرية" أو حالة من الفزع والرعب والقلق والتوتر والخوف نتيجة أو بسبب أنهم لا يتصورون أو يتخيلون إن لا يكون طفلهم، "وسط أحضانهم" وهو ما يطلق عليه في علم النفس "الرعاية أو الحماية الزائدة في التربية".
وبناء على تلك المشاعر والأحاسيس غير العادية وغير الطبيعية وغير السوية ، يحيطون أطفالهم بكم هائل من الأوامر والنواهي و الإرشادات والتحذيرات و التنبيهات من كل المحيطين بهم أو الذين سيتعاملون معهم داخل هذا المجتمع الجديد "الروضة".
ولعلهم ينتهجون تلك الأساليب والسلوكيات ظنا منهم واعتقادا بان هذا هو الأسلوب الأمثل والمناسب لحماية الطفل وللحفاظ عليه.
ومكمن الخطورة هنا في مثل هذه الأحوال في إن الطفل بطبيعته يحتاج دائما إلى الشعور بالأمن والأمان و الطمأنينة ، ونظرا لان انتقاله من "حضن أسرته"، إلى مجتمع أخر جديد غامض بالنسبة له وغريب ، فانه يؤذيه ويزعجه ويوتره، ذلك أن اى طفل عادى يحتاج لبعض الوقت حتى يستطيع إن يقيم علاقة اجتماعية تفاعلية ناجحة مع "المشرفة أو المعلمة"، التي توازى أو تقارب بالنسبة له شخصية أمه . فضلا عن إقامة علاقات اجتماعية أخرى مع زملائه داخل الفصل، فإذا ما شعر الطفل بالخوف منهم، أو الابتعاد عنهم، أو بعدم القدرة على التفاهم أو التواصل أو التعامل معهم.
فانه عند هذه الحالة يفقد الإحساس بالأمان وتضطرب نفسيته، مما ينعكس سلبا على سلوكه وتصرفاته، وقد يعانى من مشكلات التأتأة أو التلعثم في الكلام ، أو التبول اللأارادى، أو فقدان الشهية للطعام أو الشعور بالمغص والصداع أوقد يصاب بالسخونة أو برودة الإطراف ، وقد يدخل في حالات من البكاء الشديد والصراخ دون وجود سبب معين.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام: إن خوف الوالدين على أطفالهم في الحدود المعقولة أمر عادى وطبيعي، واشتياقهم إليهم وتلهفهم عليهم أثناء فترة وجودهم ب الروضة تعتبر أحاسيس ومشاعر طيبة ومقبولة.
إلا إن الخوف الزائد والمبالغ فيه، "المرضى" والذي يصدر أحيانا عن أولياء الأمور، يكون له اثر سلبي شديد الخطورة على نفسية الأطفال وعلى مدى تقبلهم للروضة ، وللأسف الشديد فان مثل هذه المشاعر الخاصة بعدم تقبل الأطفال للروضة فقد تستمر معهم مدى الحياة ، إي في جميع مراحل التعليم التالية.