«30 مارس».. فيلمان فى عرض واحد

«30 مارس».. فيلمان فى عرض واحدمحمود عبد الشكور

الرأى12-10-2021 | 17:58

هذا فيلم يعاني من مشكلة واضحة فى الكتابة قبل تصويره، ويمتليء بالثغرات، ومع ذلك صوروه، وبذلوا جهدا كبيرا فى تنفيذه، ولكن ذلك لم ينقذ الموقف، لأن السيناريو، كما نكرر دائما، هو الأساس، وأنت يمكن أن تقوم بطلاء المنزل وتزيينه، ولكنه سينهار إذا لم تضع أساسا جيدا لبنائه.

«30 مارس» الذي كتبه حميد المدني وأخرجه أحمد خالد موسى، يبدو فى النهاية مثل فيلمين فى عرض واحد، حاولوا دمجهما بدون نجاح، فصرنا أمام عمل مصنوع ومفبرك يفتقد الإقناع، الفيلم الأول دراما نفسية بطلها شخص له تاريخ مع تعاطي المخدرات، ومصاب بالهلاوس، ولا يتناول الدواء، ويعاني من الأحلام المخيفة، والفيلم الثاني فيلم عصابات أقرب ما يكون الى عالم الكوميكس الأمريكي بشخصياته الغريبة شكلا ومضمونا، والمفترض أن «30 مارس»، هو محصلة دخول هذا المريض البائس قسرا الى عالم عصابات تتصارع على تجارب فيروسية مخلّقة فى أحد المعامل، ويفترض أن نصدق أن يتحول هذا المريض إلى بطل يكتشف سر عصابتين تتصارعان، وأن يكتشف أيضا مشاكله وكوارثه فى ماضيه التعيس، بل إنه يتأمل أحيانا حالته والعلاقة بين الحلم والواقع على شريط الصوت.

أراد مؤلف الفيلم أن يمزج الدرامـــا النفسيــــــة بقصص العصابات، لا شك أنه طموح مشروع، ولكنه يحتاج دراسة النوعين بشكل جيد، بالذات فيما يتعلق بالجانب النفسى للشخصية المحورية، ثم وضع منطق مواز ومقنع يجعل هذا المريض، الذى لا يليق به إلا دخول المستشفى وليس شيء آخر، محورا للحبكة وللتورط فى الفيلم الثانى، الذى يبدو أيضا حافلا بالكليشيهات عن عالم العصابات، مع أنه يسخر طوال الوقت من الكليشيهات.

مع منتصف الفيلم تقريبا كان هذا المزيج قد اتضحت معالم فشله، فالدهشة وليس التوتر أصبح عنوان المشاهدة، والشاب على (أحمد الفيشاوى)، الذى لا تعرف له عملا، منعزل فى بيته، ويزور أحيانا طبيبة نفسية (ندى موسى)، تبدو أقرب إلى عارضات الأزياء، ولكنه يحلم طوال الوقت بأن رجلا لا يعرفه (أيمن الشيوي)، ركب معه سيارته، فأطلقوا الرصاص على الرجل وقتلوه، والأعجب أن عليا كان يتعاطى السموم البيضاء، ولا نعرف بالضبط كيف تخلص من إدمانه، فهذه الأنواع تدمر صاحبها، ولكننا نراه فى حالة معقولة، رغم رفضه تعاطى الدواء، ورغم هواجسه وشكوكه فى أمه (سلوى محمد علي)، وفى شقيقه عمر (محمد شاهين)، وكانت لديه شكوك أصلا فى نسب ابنه له، ونعرف أن زوجة على تركته أيضا واختفت، ولا يجد على مساندة إلا من حنان (دينا الشربيني)، التى يبدو أنها فتاة ليل وجارة له.

رجل بهذه المواصفات من الغريب أن يكون صالحا لأى شيء، وهو يحتاج إلى البقاء فى المستشفى للعلاج، ولكن الفيلم سيجعله بطل مغامرة مفتعلة سببها هذا الشخص الذى يظهر مقتولا فى أحلامه، ثم تظهر جثته فى بيت علي، ورغم أن الشرطة تقبض على علي، إلا انه يهرب من سيارة إسعاف (!!)، وتبدأ مغامرات لا يمكن ابتلاعها إلا بمنطق أفلام الكوميكس، ولكن فيلمنا جاد جدا فى سرد حكاية القتيل د. ناير، الذى يقوم بتجارب قطاع خاص على الأسلحة البيولوجية، ويتصارع معه فريق يقوده المذيع (!!) توفيق سليمان (صبرى فواز)، يعمل لحساب منظمات إرهابية، ثم تظهر فرح (نيللى كريم كضيفة شرف)، وهى زوجة د. ناير التى انضمت إلى خصمه، ويفترض أن هناك مؤامرة كاملة على توريط على البائس، وتتبعه للحصول على فلاشة بها اكتشافات د. ناير الخطيرة، أما سبب اختيار على بالذات فمرتبط بيوم 30 مارس، وبأحلامه الخارقة، ويدهشنا فعلا أن هذا المريض سيكمل المشوار حتى النهاية، بل إنه سيواجه ماضيه الشخصي، وسيتذكر، فى قلب مغامرات ومطاردات العصابات، حكايته مع زوجه، ومشكلاته مع أمه، ومع أخيه عمر، أى أن الفيلم الأول مستمر معنا بكل تفاصليه، داخل الفيلم الثانى الكوميكس.

تعتمـــــد شخصيـــــــات الكوميكس على المبالغات، وعلى بعض الكليشيهات أحيانا، وهو ما تحقق على مستوى أحداث الصراع عموما، أو على مستوى شكل وتصرفــات الشخصيات، توفيق سليمان مثلا بهيئته وعمله كمذيع وكزعيم عصابة معا (!!) شخصية يمكن قبولها فى قصة مصورة وليس فى حكاية لها جانب واقعي، وشخصية محامى على التى لعبها خالد الصاوى لا تقل غرابة فى هيئتها وتصرفاتها، وكذلك شخصية الطبيبة النفسية التى لعبتها ندى موسى، وشخصية فرح التى لعبتها نيللى كريم، وشخصية القاتل المحترف التى لعبها أحمد خالد صالح، والتى تبدو خارجة لتوها من فيلم عصابات أمريكانى غارق فى الكليشيهات، حتى مشاهد القتل والذبح أخذت شكلا مجانيا وكارتونيا تقريبا.

هكذا فقد الفيلمان منطقهما: فالجانب النفسى لم تتم دراسته، لا على مستوى الأحلام والكوابيس، ولا على مستوى شخصية تركت الدواء، وكانت تشم الهيروين، ولا على مستوى علاقة شخص معزول مع مغامرة صعبة وخطيرة يفترض أنها واقعية، وعالم العصابات الذى يفترض أن يمثل واقعا يجسد أحلام وإشراقات علي، أو بمعنى أدق هو الكابوس الحقيقى الواقعى الذى يعيشه، يبدو فى أحداثه وتفاصيله وشخصياته أبعد ما يكون عن الواقع، والأمر بأكمله مجرد أجزاء اجتمعت معا بدون تجانس، لمجرد فبركة فيلم يريد أن يكون مشوقا ومثيرا ومختلفا.

ورغم جهد المخرج أحمد خالد موسى، ووجود عناصر مميزة مثل صورة فوزى درويش، وموسيقى سارى هاني، إلا أنه بدون سيناريو جيد ومتماسك ستفشل الخلطة المتنافرة، وليس أدل على هذا الفشل من وجود مستويات متباينة من أداء الممثلين، أحمد الفيشاوى بالذات كان حائرا فى الإمساك بالشخصية، فمرة تبدو ذكية وقادرة، ومرة تبدو تائهة ومضطربة، والمطلوب منه أن يواجه كوارث عائلية، وكوارث علمية، وحروب عصابات دموية.

لا أظن أن احدا كلّف نفسه بعرض السيناريو على طبيب نفسى حقيقى، من باب استطلاع الرأى، وضبط الشخصية المحورية، وما حاجتهم إلى ذلك، إذا كانت الحكاية كلها محاولة لصنع عمل مثير والسلام، ووضع كل الأصناف فى طبق سلطة كبير، وبالهنا والشفا.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2