نحن مجتمع لا يجيد التعامل مع الأرقام، أو لا نحسن العد، وبسبب هذه العقدة نبتعد كثيرًا عن المنهج العلمى فى تقييم أنفسنا، والظواهر المجتمعية الخاصة بنا، ويمكن أن نضيف إلى ما سبق عقدة عدم الثقة فى استطلاعات الرأى العام المحلية، أقصد تلك التى تجريها مراكز بحوث الرأى العام، والتى لم تحصل خلال السنوات الماضية على ثقة المصريين، إلى أن جاء هذا المركز وكسر هذه القاعدة.
وما أقصده هو المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» الذى تأسس وانطلق فى شهر أبريل من عام 2012، ويحرص مؤسسوه أن يذكروا فى التعريف به على موقعه الإليكترونى، أنه تأسس فى أعقاب ثورة 25 يناير، ويردفوا على ما سبق أن المركز تعهد بالقيام بدوره فى التحول الديمقراطى، ويؤكدوا على هذا.
(1)
وإذا ما ذكرت المركز لابد أن تقرنه باسم مؤسسه د. ماجد عثمان، وتلحق أو تسبق اسم المؤسس بقائمة من وظائف الإدارة العليا التى شغلها وأهمها - من وجهة نظرى - ليس توليه وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى حكومة تيسير الأعمال (حكومة عصام شرف الأولى) التى تشكّلت بعد أسبوعين تقريبا من انطلاق ثورة 25 يناير 2011، ولكن أهم من الوزارة رئاسته لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء فى الفترة من يناير 2005 وحتى توزيره فى فبراير 2011، وقد شهدت هذه الفترة نشاطًا وتألقًا فى مركز المعلومات ومدت فيها جسور الثقة بين المركز ووسائل الإعلام، التى باتت تتعامل معه على أنه مصدر مهم لأرقام مهمة تتعلق بحياة المصريين.
لم يستمر عثمان فى منصبه الـــوزارى أكثـــر من 6 أشهر ويبدو أنه قرر بعد مغادرته أن يواصل رسالته فى بحوث الرأى العام فأسس مركز «بصيرة» وأسس من خلاله حالة جديدة من الثقة فى نتائج مراكز بحوث الرأى العام المستقلة فى مصر.
(2)
ماذا كان يحدث فى الماضى بشأن تلك المراكز ونشاطاتها ومنتجها النهائى (مخرجاتها) ؟!
كان يحدث أمران لا ثالث لهما، الأول أن يتصدى لإنشاء هذه المراكز أشخاص غير ذات ثقة، يملكون دكاكين أكثر منها مراكز علمية لقياس اتجاهات الرأى العام، وبالتالى كانوا يخرجون علينا بنتائج ما أنزل الله بها من سلطان، وكانوا يتوجهون بها – غالبا – للسلطان.
والأمر الثانى الغالب، أننا كنا – ومازلنا - نرى أنفسنا فى نتائج استطلاعات قادمة لنا من الخارج معلّبة، ولأنها أجنبية، وصادرة عن مراكز ومؤسسات تحمل أسماء رنانة، نثق فى أرقامها أو نتعامل معها بجدية كبيرة، سواء أعجبتنا نتائجها، أو لم تعجبنا، أغضبتنا أو لم تغضبنا.
وكانت هذه ونتائجها ومازالت – من وجهة نظرى– تتعامل مع ظواهر مجتمعية محددة تخدّم على قضايا الغرب السياسية الصريحة أو التى تتخفى فى لباس الظواهر المجتمعية، بداية من الفقر والتحرش إلى اقتصاديات الدولة.
وكنا ومازلنا نبنى تصوراتنا، وتتحرك كثير من مؤسساتنا على أساس هذه الأرقام دون حتى أن نحاول نقدها أو نقضها، بشكل علمى لا لسبب إلا لأننا نفتقد للأرقام الصحيحة، وللجهات التى يمكن أن تمدنا بها.
(3)
ونعود لمركز «بصيرة» ، وأحدث ما وصلنى من استطلاعاته للرأى العام، استطلاعًا موضوعه «رضاء المصريين عن الأداء العام فى الدولة» وحسب بيان صادر عن المركز أنه اعتمد فى الاستطلاع على تقييم عينة - ليست بقليلة - من المصريين لـ (29) بندًا تغطى مختلف جوانب الأداء (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) فى الدولة.
ويدخل فى البنود المستطلعة على سبيل المثال: نظافة الشوارع ورفع القمامة، والكهرباء، وتوفير كل أنواع الوقود، والأسعار، ومستوى المعيشة لمحدودى الدخل، وتعامل الأمن مع المواطنين، وتوفير فرص العمل، والفساد، وحرية الرأى والتعبير، والعدالة الاجتماعية، والعلاقات الخارجية، والأوضاع الاقتصادية فى البلد.. إلخ.
والتقرير موجود على موقع «بصيرة» على شبكة المعلومات «الإنترنت» لمن يريد الرجوع إليه كاملاً لكننى هنا فقط أنقل لكم بعض الأرقام التى رأيت أنها مهمة وتشغلنا فى حياتنا اليومية، ونتائج الاستطلاع من المفروض أنها تعكس بصدق حالة الرضا وعدم الرضا عند المواطنين عن تلك الشواغل، وبالتالى يمكن تقييم الأداء العام للدولة، ويستعين بها صاحب القرار للتعديل أو التركيز على ملفات وخدمات بعينها مقدمة للمواطن.
(4)
ومن أرقام نتائج الاستطلاع، نبدأ بالملفات التى سجلت مؤشرًا منخفضًا من الرضى عند المصريين، ولم تحصل على درجة النجاح بعد سجلت عددا من النقاط يتراوح ما بين 30 إلى 40 نقطة من 100، وهذه الملفات تتعلق بقضايا: معالجة التلوث وحصل على (36) نقطة، ومكافحة الفساد (33)، وتوفير فرص العمل (32)، وتحسن مستوى معيشة محدوى الدخل (30) بينما حصل ملف الأسعار على (27) نقطة من 100 وهو الملف الأقل – على الإطلاق– فى الاستطلاع حصولا على الدرجات.
وفى مستوى أعلى قليلاً حصلت 4 ملفات على درجات تتراوح بين (40) و(50) نقطة وبيانها كالتالى: العدالة الاجتماعية (48 نقطة)، الصحة (45) رفع القمامة ونظافة الشوارع (44)، التعليم (43) نقطة.
وهناك 6 ملفات حصلت على مستوى رضا يتراوح ما بين (50) إلى (60) نقطة وبيانها: الإعلام وحصل على (56) نقطة، والمواصلات ووسائل النقل (56)، وتوفر وجودة الصرف الصحى (54)، تشغيل المصانع (54) السياحة (52) والأوضاع الاقتصادية فى البلد (52).
وحصلت 9 ملفات على متوسط درجات يتراوح ما بين (60) إلى (70) نقطة هى: الخطاب الدينى (68)، توفر كل أنواع الوقود (68) تعامل الأمن مع المواطنين (67)، المرور (65) الإنتاج الزراعى (64)، تسهيل إنشاء مشروعات قطاع خاص (62)، توفر وجودة المياه (61)، الكهرباء (61)، حرية الرأى والتعبير (61).
وننتهى بالملفات التى حصلت على أكثر من (70) نقطة فى مؤشر الرضا عن الأداء العام وهى: ملف العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى وحصل على (79) نقطة، التموين (73)، خدمات المحمول (72)، توفر السلع الغذائية (71) نقطة. «انتهى».
وختامًا أسألك عزيزى القارئ: هل تثق فى هذه الأرقام؟! أنا عن نفسى أثق فيها مع وضع نسبة خطأ فى النتائج لا تزيد 3% حسب واضعو التقرير، لكنها على الأقل اعتمدت المنهج العلمى فى البحث وإخراج النتائج، وليست مثل «هرى» الفيس بوك الذى تحكمه سيكولوجية القطيع، ويوجهه كثيرًا مغرضو اللجان الإلكترونية.