أجرى " المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية"، دراسة جديدة حول دور الجمعيات الأهلية فى مكافحة التدخين والتعاطى والإدمان، لتحديد مدى فاعلية هذا الدور والتحديات التى تواجه تلك الجمعيات، قام بالدراسة كلا من الدكتورة هويــدا عــدلـــى، الدكتورة عبير صالح ، الدكتورة حنان أبوسكين والدكتـــورة هنــد فــــؤاد .
وعن الدراسة تقول دكتورة حنان ابو سكين، أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث، ينقسم البحث إلى خمسة فصول، الفصل الأول يركز على أهمية دور الجمعيات الأهلية فى مكافحة تعاطى وإدمان المخدرات وعلاقة ذلك بأهداف التنمية المستدامة، يركز الفصل الثانى والمعنون بـــ " الجمعيات الأهلية الفاعلية والأنشطة" على الأنشطة التى تمارسها الجمعيات الأهلية فى مجال مكافحة التدخين والتعاطى و الإدمان مع العمل على تقييم فاعليتها، ويتناول الفصل الثالث دور الجمعيات الأهلية فى مجال الوقاية والعلاج والرعاية اللاحقة للمدمنين، ويأتى الفصل الرابع ليفحص شبكة علاقات الجمعيات الأهلية العاملة فى مكافحة التدخين والتعاطى و الإدمان مع المؤسسات المعنية وذات الصلة. ثم الفصل الخامس والذى يركز على أهم التحديات التى تواجه الجمعيات الأهلية فى مجال مكافحة التدخين والتعاطى والإدمان.
وتضيف، تم تطبيق استبيان مع عدد 301 عضوا فى الجمعيات ، وبلغ حجم العينة الفعلى 103 جمعية، موزعين على 15 محافظة، كانت محافظة أسوان من أكثر المحافظات التى وجد بها جمعيات مهتمة بقضية الإدمان والتعاطى سواء كنشاط رئيسي أو أحد الأنشطة الرئيسية بنسبة 20,4٪، يليها محافظة سوهاج بنسبة 15,5٪، ثم تأتى بقية المحافظات فى مراتب تالية، وتضيف دكتورة حنان أبو سكين، هذا البحث هو البحث الثالث فى سلسلة البحوث المعنية برصد وتقييم دور الجمعيات الأهلية فى هذه القضية، فقد تم إجراء البحث الأول المعنى تحديدا بـ "دور الجمعيات الأهلية وأندية الدفاع الاجتماعى فى مكافحة الإدمان" فى عام 2003، وكان محور تركيز ذلك البحث هو دراسة دور الجمعيات الأهلية وأندية الدفاع الاجتماعى المسندة للجمعيات الأهلية من قبل وزارة التضامن الاجتماعى فى مكافحة تعاطى وإدمان المخدرات، وقد قادت نتائج هذا البحث إلى التفكير فى البحث التالى له، حيث كانت النتيجة الأساسية المستخلصة من البحث الأول أن عدد الجمعيات الأهلية المتخصصة فى مكافحة الإدمان والتعاطى محدودا للغاية، ومن ثم كان السؤال ألا توجد جمعيات أهلية أخرى مهتمة بالقضية محل الدراسة كأحد أنشطتها أو مجالات اهتماماتها، وأيضًا التعرف على وزن قضية مكافحة الإدمان والتعاطى فى اهتمامات الجمعيات الأهلية بصفة عامة فى مصر، وقد كان هذا السؤال البحثى هو موضوع البحث الثانى الذى تم اجراؤه ونشرة فى عام 2009 والمعنون بـ " الجمعيات الأهلية وقضية تعاطى وإدمان المخدرات، وأشارت "أبو سكين" إلى أن عدد الجمعيات الأهلية المعنية بقضية مكافحة الإدمان والتعاطى كنشاط رئيسي أو كأحد الأنشطة التى تقوم بها الجمعيات مازال محدودا.
وأوضحت أستاذ العلوم السياسية، أنه كان من الهام بعد ما يزيد عن عشر سنوات على إجراء البحث الثانى تتبع التطور الذى طرأ على دور الجمعيات الأهلية المتخصصة حصرا فى مكافحة وعلاج الإدمان، وأيضًا التى تعتبره نشاطا من ضمن أنشطتها.
وأضافت دكتورة حنان، النتائج أظهرت استمرار تركز النسبة الأكبر من الجمعيات المعنية بالقضية محل الدراسة فى الحضر بنسبة 84,7٪ حيث تتواجد المقرات وفقا لما أشار إليه المستجيبين، ومع ذلك كان هناك اختلافا طفيفا، إذ أنه على الرغم من وجود مقار أغلبية العينة فى الحضر، الإ أن ما يقرب من نصف العينة يعمل فى الريف والحضر معا، يلى ذلك الحضر، ثم الريف بفارق كبير، ولا يوجد إقبال على تأسيس جمعيات جديدة تعمل فى قضية مكافحة التعاطى والإدمان، فالغالبية العظمى من الجمعيات الأهلية المعنية نشأت من خمسة أعوام أو أكثر، فى حين لم يشر سوى 3٪ من العينة إلى أن هناك جمعيات تأسست منذ عام، وهذا مؤشر على أن قضية مكافحة التعاطى و الإدمان ليست من القضايا الجاذبة للمهتمين والمعنيين بالعمل الأهلى فى مصر.
واستكمالا لعرض نتائج البحث تقول دكتورة حنان، هناك استمرار لسيادة نمط الجمعية العمومى، والتى تعمل فى أنشطة متعددة ولا تركز على نشاط بعينه كمجال تخصص، وهذا الأمر له مزاياه وعيوبه، فمن مزاياه، أنها تستطيع أن تركز على التدخلات التى تساعد على ضمان نوعية حياة أفضل مما يقى من الوقوع فى براثن الإدمان، لكن فى إطار سيادة الطابع الخيرى الرعائى للجمعيات الأهلية فى مصر، فإنه فى الغالب لاتعد هذه النوعية من التدخلات الرعائية فعالة فى مكافحة التعاطى والإدمان، الأمر الآخر يتعلق بأن غياب الجمعيات المخصصة أو محدوديتها سيؤدى إلى سيادة نمط من التعامل السطحى والتقليدى مع قضية الإدمان.
وعلى نفس منوال ما ظهر فى البحوث السابقة، برز من خلال هذا البحث أيضا تركز الاهتمام الرئيسى للجمعيات الأهلية على التوعية مقابل اهتمام أقل بكثير بقضايا العلاج والتأهيل، وتتابع، الحقيقة يفترض أن أحد أسباب ذلك محدودية الجمعيات المتخصصة فى مكافحة الإدمان والتعاطى، حيث أن التخصص يؤدى إلى توسيع دائرة العمل على القضية لتشمل الوقاية والعلاج والتأهيل، بيد أن فحص دور الجمعيات الأهلية المتخصصة والبالغ عددها 40 جمعية من 103 جمعية محل الدراسة أى بنسبة 39٪ يوضح أن جميعها تعمل فى مجال الوقاية، فى حين من يعمل فى مجال العلاج لم يصل للثلث، ومن يعمل فى مجال الرعاية اللاحقة كان الربع، أما من يعمل فى كل مراحل المكافحة بداية من الوقاية مرورا بالعلاج وانتهاءا بالرعاية اللاحقة كان 17,5٪ من الجمعيات المتخصصة.
كما أوضحت الدراسة أن نسبة قليلة من الجمعيات هى التى لديها خط ساخن، وأنه ورغم وجود خطة عمل محددة لدى غالبية الجمعيات الأهلية محل الدراسة، فإن تقييم العينة لقدرتهم على تحقيقها كان متوسطا، وكان من أهم المعوقات نقص الموارد المالية وهو ذات المعوق الذى ظهر فى البحوث السابقة فى 2003 و 2009.
وأشارت " أبو سكين"، أن هناك عدد من التحديات التى تواجه الجمعيات الأهلية محل الدراسة – بجانب نقص الموارد المالية – وهى قلة الإقبال الجماهيرى على أنشطة التوعية من خلال اللقاءات الجماهيرية أو الدورات التدريبية ونقص الكوادر البشرية المؤهلة لإدارة برامج وأنشطة التوعية.
وتقول أبو سكين أظهرت الدراسة أن هناك محدودية فى عدد الجمعيات التى تقدم خدمة العلاج، وربما الأمر الإيجابى مقارنة بالبحوث السابقة، هو ازدياد عدد الجمعيات التى تقوم بتحويل المدمنين إلى المصحات سواء بشكل مباشر أو عبر صندوق مكافحة التعاطى والإدمان.
وبالنسبة للرعاية اللاحقة، فهناك محدودية شديدة فى الجمعيات الأهلية المعنية بها، ويعود ذلك إلى نقص الكوادر الفنية المؤهلة للتعامل مع هذه القضية، والتى تحتاج إلى مهارات ذات طابع خاص، كما تحتاج إلى رؤية شمولية لدى الجمعية تنطلق من ضرورة تحسين البيئة الحاضنة للمتعافى.
ومن خلال الدراسة ظهر أن هناك ضعف التشبيك والتنسيق بين الجمعيات الأهلية مما يؤدى إلى مزيد من هشاشة الأدوار التى تقوم بها وتكرارها دون جدوى.
وبناء عليه، نصحت دكتورة حنان، أستاذ العلوم السياسية ، بضرورة وجود استراتيجية متكاملة لبناء قدرات الجمعيات الأهلية العاملة فى مكافحة التدخين وتعاطى المخدرات، تبدأ بالبناء المؤسسى لهذه الجمعيات، ثم كيفية التعامل مع قضايا التدخين والمخدرات، سواء على مستوى الوقاية والعلاج والرعاية اللاحقة فى إطار نظرة تنموية شاملة، وفى هذا الإطار، يصبح البناء العلمى والمعرفى للقائمين على العمل فى هذا المجال أمرا أساسيا.