كان الأديب الراحل نجيب محفوظ لا يكترث كثيرًا بالتغييرات والتعديلات التى يقوم بها بعض كتاب السيناريو على شخوص وأحداث رواياته، حينما يقومون بتحويلها إلى أفلام أو مسلسلات، وكان يعتقد أن سيناريو الفيلم عمل قائم بذاته لا يمكن أن يحسب على الرواية المأخوذ عنها أو يقلل من قيمتها.
ويبدو أن هذا التسامح الشديد من جانب أديب نوبل مع كُتاب السيناريو ومخرجى السينما جعلهم يتمادون إلى أقصى الحدود فى تحريف بعض أعماله الخالدة، مثل الثلاثية الشهيرة « قصر الشوق و السكرية وبين القصرين»، والتى تحولت مع المخرج الراحل حسن الإمام إلى أفلام تجارية مليئة بالرقصات و«التوابل» السينمائية.
وطال هذا التشويه السينمائى روايات أخرى لمحفوظ، ومن بينها «السراب» و«الشحات» اللتين تحولتا من روايتين فلسفيتين تناقشان قضايا شديدة التعقيد فى الفكر الإنسانى والدين وعلم النفس إلى فيلمين سطحيين يركزان أيضًا على العلاقات الجنسية لبطليهما على حساب القيمة الأدبية والمضمون الإنسانى، وربما يكون هذا هو أحد أهم الأسباب التى دفعت «النجيب» لكتابة السيناريو بنفسه لبعض رواياته وروايات أدباء آخرين.
أما الأديب الكبير الراحل إحسان عبد القدوس، فكان من الفريق الذى يعتبر السيناريو عملاً محسوبًا على الرواية ويمكن أن يشوهها أو يضيف إليها ويساهم فى نجاحها ورواجها، كما حدث بالفعل للكثير من رواياته التى تحولت إلى أفلام أصبحت من أبرز علامات السينما المصرية طوال تاريخها مثل «فى بيتنا رجل» و«النظارة السوداء» و«أنا حرة» وغيرها، لكنه لم يكن راضيًا كل الرضا عن أفلام أخرى مأخوذة عن روايات له ومنها «العذراء والشعر الأبيض»، إخراج حسين كمال وبطولة نبيلة عبيد ومحمود عبد العزيز وشريهان.
وفى الرواية نرى الشخصية النسائية الرئيسية، «دولت» وقد سيطرت عليها رغبتها الجنونية فى الإنجاب، لدرجة أن تخون زوجها لتتأكد فى داخلها أنها ليست عاقرًا، ثم تتزوج من خانت زوجها معه أملا فى أن تنجب، وتصدمها الحقيقة التى طالما أنكرتها فتلجأ لأن تتبنى طفلة، وتكبر الطفلة وتصبح أنثى ينشغل بها زوجها، ثم تقبل «دولت» أن يهجرها هذا الزوج فى الفراش، طالما بقى إلى جانبها وظل فى حدود ملكيتها، ويصل بها الأمر لدرجة أن تعلم وتشجع علاقة بين زوجها وابنتها المتبناة فى سبيل أن تحتفظ بكليهما إلى جانبها، ومن هنا تأتى جرأة إحسان عبد القدوس الذى عرض الحالة بكل جوانبها ولم يخف من مواجهة الرأى العام بعرض هذا النموذج الإنسانى الشاذ.
وأما الفيلم فهو يقدم لنا «دولت»، كامرأة حنونة جدا تريد بشدة أن تنجب، لكنها تكتشف استحالة ذلك فتتبنى الطفلة «بثينة»، وعندما تصل الفتاة لسن المراهقة، تتعلق تعلقًا مرضيًا بأبيها بالتبنى وتهم فى أحد المشاهد بتقبيله، لكنه يلطمها على وجهها لطمة قوية لتعود بثينة بعدها إلى صوابها!