«أسلمة المعرفة».. كيف حاول التنظيم الدولي للإخوان اختراق الثقافة؟

«أسلمة المعرفة».. كيف حاول التنظيم الدولي للإخوان اختراق الثقافة؟سامح فايز

حوارات وتحقيقات30-10-2021 | 10:08

الحديث عن اختراق ثقافى يتزعمه تنظيم الإخوان الإرهابي للمشهد فى مصر سواء على المستوى الرسمي أو الخاص ربما يرفضه البعض، أو يقلل من حجم خطورته؛ للأسف لا يزال التعامل مع الثقافة على أنها مجرد رفاهية، فهم بعض رجالات اليسار المنقرض يلقون الشعر على المقاهي، أو يقدمون ندوات ثقافية لا يفهمها أحد غيرهم، وهو تنميط مجحف بالفعل ساهم الإعلام المصري لسنوات فى ترسيخه داخل ذهنية المتلقي، وجميعنا نتذكر فيلم «السفارة فى العمارة» للفنان عادل إمام والصورة التي قدم خلالها المثقف المصري، وأفلام أخرى كثيرة أبرزها فيلم «يارب ولد» للفنان فريد شوقي، وقدم شخصية المثقف فيها الفنان الراحل أحمد راتب، ونتذكره جميعا عندما يصف نفسه قائلا: «أنا مثقف بوهيمي يفعل ما يحلو له».

بمرور الوقت مع تهيئة ذهنية المتلقى حتى يتقبل تلك الصورة النمطية شديدة الخطورة بالفعل أصبحت القراءة مسألة منبوذة لعقود قبل أحداث يناير 2011، وأقصد هنا بالقراءة المنبوذة هي المتعلقة بالثقافة العامة من آداب وعلوم إنسانية وغيرها، أما القراءات الدينية فقد سيطرت عليها دور نشر الإخوان، وأخشى مقولة إنها لا تزال تسيطر على ما ينتج من كتب دينية وتراثية، تطبعها دور نشر بالمئات دون رقيب!

ما نعيشه الآن ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج مخطط للتنظيم الدولي للإخوان على مدار عقود، بدأ مع الإرهابي الأول حسن البنا، عندما سعى لتأسيس دار الإخوان للصحافة والطباعة والنشر، وأوكل مسؤوليتها إلى صالح عشماوي، وهو نفسه مسؤول النظام الخاص للإخوان، ما يشير بوضوح إلى أن حسن البنا وضع الثقافة والنشر فى نفس المرتبة من الأهمية للتنظيم مع صناعة الكتاب والنشر والصحافة!

لكن التحول الأبرز حدث فى الثمانينيات من القرن الماضي، مع طرح مصطلح أسلمة المعرفة، والذي وضعه عضو التنظيم الدولي للإخوان إسماعيل راجي الفاروقي؛ فقد لاحظ الفاروقي أن الأجيال الجديدة من شباب الإخوان، والتي نشأت فى الغرب، أو نشأت فى المجتمعات العربية المتأثرة بالغرب، أصبحت تعيش فى حالة من الاغتراب عن الفكرة الإسلامية، من أسباب ذلك طبقا للفاروقي وجود ثنائية للتعليم، أحدها إسلامي والآخر علماني، فدعى الفاروقى لمزج النموذجين، والاستفادة من مميزاتهما سويا، بهدف الفوز بالنهضة العلمية والمعرفية للغرب، لكن بحدود وأخلاق ومعايير الشرق، أو بمعنى أدق، حدود وأخلاق ومعايير تنظيم الإخوان التي وضعها حسن البنا وسيد قطب.

فى سبيل تطبيق نظرية أسلمة المعرفة كما يراها الفاروقي أسس المعهد العالمي للفكر الإسلامي فى واشنطن، وكان أول رئيس له، وظل فى منصبه حتى اغتياله برفقة زوجته 27 مايو 1986 طعنا بالولايات المتحدة الأمريكية، ونشرت أدبيات الإخوان أن مقتل الفاروقي وراؤه الموساد الصهيوني بحجة أن ما يقدمه من أسلمة للمعرفة يشكل خطرا على الصهيونية العالمية!

المعهد العالمي للفكر الإسلامي ساهم فى تأسيسه أيضا أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق؛ وهو من جانب آخر واحد من ثلاثة ساهموا بشكل مباشر فى تأسيس اللبنة الأولى للتنظيم الدولي للإخوان فى مدينة ليستر البريطانية، وتلك مؤشرات لا تحتاج لإثبات عن علاقة المعهد المباشرة مع التنظيم الدولي للإخوان.

ما سبق مقدمة لابد منها لما سيأتي؛ فالمعهد له العديد من الإصدارات الفكرية التي تسعى إلى صبغ العلوم والمعارف جميعها بالصبغة الإسلامية على هوى الإخوان، ويعتبر أحد أهم دور النشر فى العالم التي تتولى إصدار تلك الكتابات أو طبع الكتب الخاصة بالباحثين المؤمنين بأفكار ذلك المعهد هي «دار السلام» للنشر والتوزيع فى القاهرة، ومقرها شارع الأزهر، جدير بالذكر الإشارة إلى أنها عضو اتحاد الناشرين المصريين وتشارك بشكل دائم منذ الثمانينيات فى جميع معارض الكتاب المصرية والعربية حتى كتابة تلك السطور!

الأخطر من ذلك أنه، وبعد أحداث سبتمبر، تمت مهاجمة المعهد من قبل الأمن الأمريكي، فحملت كل الوثائق والكمبيوترات وأطناناً من الأوراق، بسبب علاقة القائمين على المعهد بالتنظيمات الدينية المتطرفة!

استكمالا للحديث عن أسلمة المعرفة أو صبغها بالصبغة الإخوانية، وهو المشروع الذي بدأه التنظيم الدولي للإخوان قبل عقود، دشنت الجماعة المئات من دور النشر بعد فوضى يناير 2011، والتي سعت بدورها إلى تمرير أفكار الإخوان المسمومة للشباب والمراهقين من خلال تصدير روايات وكتب للتنمية البشرية والتنمية الذاتية وكتب الأطفال، وعملت الجماعة أيضا على دعم تلك المؤسسات وتدشين العشرات من فروع المكتبات فى جميع المحافظات المصرية من أجل تسهيل وصول تلك الكتب إلى جميع المناطق فى مصر، ومن أبرز تلك المكتبات مكتبة ألف، والتي تم التحفظ عليها قبل سنوات بعد تأكيد علاقتها المباشرة بالإرهاب!

ربما ينتبه القارئ معي إلى أن الإرهاب المعاصر أصبح يقدم نفسه بشكل جديد، غير معهود، فمن يصدق أن أفكار التطرف وعمليات تمويلات الخلايا الإرهابية مسألة تتم عن طريق دور نشر وسلاسل المكتبات الشهيرة لتوزيع الكتاب، بل الأكثر من ذلك أن مقابلات التنظيم الدولي للإخوان أصبحت تتم بسهولة شديدة ويسر فى أثناء معارض الكتاب الدولية، إدراكا من التنظيم أن الحكومات العربية منشلغة بالفعل فى حرب حقيقية مسلحة مع الخلايا الإرهابية، وفى الوقت نفسه استغلت تلك الخلايا الإرهابية ضعف الاهتمام فى تلك المرحلة بالمؤسسات الثقافية أو أن المسؤولين عنها لهم علاقات مشبوهة بالإخوان واستغلوا ذلك فى التوغل أكثر فأكثر فى المشهد الثقافى بداية من العام 2011 وحتى لحظة كتابة تلك السطور. لكن وعلى الرغم من ذلك أثق أشد الثقة فى أن الدولة التي استطاعت كسر شوكة تنظيم الإخوان الإرهابي فعليا على الأرض بالمواجهة الأمنية تملك القدرة على دحره أو قطع الطريق عنه فى التوغل إلى المشهد مرة أخرى من خلال ثغرة الثقافة.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2