كتب - محمد فتحي
فى إطار زيارة المعهد العلمي الفرنسي لقلعة شيخ العرب همام بالعركى تحت رعاية الدكتور محمد أحمد عبد اللطيف مساعد وزير الآثار ورئيس قطاع الآثار السلامية والقبطية وبدعم من مساعد وزير الآثار حضر الدكتور لوران بافيه مدير المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية والدكتور نيكولا بالمعهد لزيارة قلعة شيح العرب همام للوقوف على طبيعتها ومدى أمكانية عمل البعثة بها.
وفى هذا الصدد يعرض منبر الحضارة تاريخ وعمارة القلعة من الدراسة الأثرية الخاصة بالدكتور محمود مدني مدير عام الشئون الأثرية بمنطقة آثار نجع حمادي شمال قنا أذيع مسلسل شيخ العرب همام فى رمضان الموافق شهري أغسطس وسبتمبر عام 2010 وترك تأثيرًا كبيرًا فى وجدان الشعب العربي.
قرية العركى
يشير الدكتور محمود عبد الوهاب مدني إلى قرية العركى التي تقع بحاجر الجبل الغربي جنوب غرب مدينة فرشوط بحوالي 6كم فى مواجهة وادي الحول وهو المدخل الرئيسي لطريق درب الأربعين فى هذه المنطقة ولهذا كان لموقع قرية العركى أهمية كبيرة كمدخل لمدينة فرشوط من ناحية درب الأربعين خلال العصور المتلاحقة وهى من توابع مدينة فرشوط ثم فصلت عنها فى سنة 1259هـ ولقرية العركى تاريخ حافل عبر العصور الإسلامية منذ دخول الإسلام وحتى عصر أسرة محمد على حيث شهدت وقائع العديد من المعارك الحربية أيام الفتوحات الإسلامية وقد بني بها الأمير يوسف كمال مصلحة تعرف باسم (مصلحة العركى) وبوسط تلك المصلحة أبراج حمام ومباني مستديرة الشكل تظهر بوضوح أنها تأثير وافد على العمارة الإسلامية فى مصر كما كان له بوسط القرية حديقة مساحتها حوالي أربعة أفدنه ترويها ساقية تعرف باسم حديقة الديوان.
مدينة فرشوط
تقع مدينة فرشوط بمحافظة قنا شمال مركز نجع حمادي ولقد كانت مدينة فرشوط عاصمة الإقليم كله من جنوب أسيوط وحتى إسنا أربعة أعوام ( 1765 – 1769هـ ) حينما أسس شيخ العرب همام بن يوسف دولته فى صعيد مصر وأستطاع أن يحكم الصعيد من أسيوط وحتى إسنا وأقام دولة عرفت فى التاريخ باسم دولة همام كانت عاصمتها مدينة فرشوط ولقد نهبت مدينة فرشوط وخربت أيام على بك الكبير شيخ البلد بمصر بعد أن خرج منها الأمير همام على أثر هزيمته أمام محمد بك أبو الدهب بسبب خيانة ابن عمه وقائد جيوشه إسماعيل بن عبد الله.
درب الأربعين
يوضح الدكتور محمود عبد الوهاب أن درب الأربعين هو درب أو طريق تسلكه القوافل التجارية وتسير فيه الجمال أثناء الرحلات التجارية السودانية من الفاشر فى السودان وحتى أسيوط فى مصر بهدف التبادل التجاري بين البلدين وخاصة تجارة الجمال والتوابل وترجع تسمية هذا الدرب بدرب الأربعين لعدد الأيام التي تقطعها القوافل التجارية أثناء رحلتها من الفاشر فى السودان وحتى أسيوط فى مصر.ويذكر الجبرتي أن كثيراً من القوافل التجارية التي تسير فى هذا الدرب كانت تنزل فى رحاب الأمير همام بن يوسف الذي كان يكرمها ويحسن ضيافتها مدة إقامتها حتى ولو استمرت مدة إقامتها عدة شهور كما كان الأمير همام يساهم فى موكب وقوافل الحج التى تسير بهذا الدرب ويرسل الهدايا والعون للحجاج بل كان يؤمّن هذه القوافل ويحرسها فقد عهد الأمير همام إلى قبيلة العليقات بحراسة وتأمين القوافل بطريق درب الأربعين الموصل بين دارفور وأسيوط.
شيخ العرب همام
هو شيخ العرب همام بن يوسف بن أحمد بن صبيح بن همام سبيك الهوارى ولد فى مدينة فرشوط عام 1106هـ.
وقد نشأ شيخ العرب همام فى بيت ورث الثراء والمكانة أباً عن جد فقد كان همام ابناً للشيخ يوسف الذي آلت إليه زعامة قبائل الهوارة فى أواخر القرن الحادي عشر الهجري السابع عشر الميلادي لأنه أكبر أخواته سناً وأبرزهم مكانة وكذلك كان الحال بالنسبة لهمام فقد كان أكبر أبناء الشيخ يوسف فآلت إليه زعامة قبائل الهوارة من المنيا وحتى أسوان وقد تغير الحال بعد اعتلاء على بك الكبير شيخ البلد بمصر الحكم حيث دارت الحرب بين على بك الكبير وصالح بك صديق الأمير همام وحليفة وهو ما أدى به إلى اللجوء إليه فى فرشوط بعد هزيمته ثم دارت الحرب بين على بك الكبير والأمير همام بن يوسف.
استطاع محمد بك أبوالدهب أن يستميل الشيخ إسماعيل بن عبد الله ابن عم الأمير همام وقائد جيوشه وجعله يتقاعس عن القتال واعداً إياه بزعامة قبائل الهوارة بعد الأمير همام ولما علم الأمير همام ما كان من خيانة أبن عمه وهزيمة جنده أضطر إلى التقهقر وخرج من مسقط رأسه وعاصمة نفوذه ومجده مدينة فرشوط ومات مقهوراً فى قرية قمولاً فى يوم 8 شعبان 1183هـ الموافق أول نوفمبر 1769م حيث دفن فى نجع البركة بقرية قمولا التابعة لنقادة فى مقابل مدينة قوص فى مقام واحد مع الشيخ محمد الجالس بجوار الشيخ العزب ولهم مولد فى شهر رجب من كل عام.
جيش الأمير همام
يتابع الدكتور محمود عبد الوهاب بأن الأمير همام بن يوسف أصبح هو الحاكم الفعلي للإقليم كله " ولاية جرجا " ولكي يحمى أراضية الواسعة ويدفع عنها شر هجمات الأعراب وأطماع الأمراء المماليك كون جيشاً كبيراً من القبائل العربية ومن المماليك الفارين إلى الصعيد كما كان بجيش شيخ العرب همام الكثير من الأجناد والقواسة وأكثر هؤلاء من فرقة القاسمية على أن العدد الأكثر بجيش الأمير همام كان من رجال عربان الهوارة أقاربه وأهالي الصعيد فقد كانت قبائل العربان بالصعيد تستطيع أن تجهز جيشاً من 30 إلى 40 ألف مقاتل يحمل السلاح بالاشتراك مع الفلاحين والعبيد وجنود المماليك .
وقدر جيرار عدد رجال جيش الأمير همام بـعدد 35 ألف مقاتل وهذا الجيش مجهز بكل ما يحتاج إليه من أموال وذخائر ومؤن وأسلحة ولكن مما لا شك فيه أن هذا الجيش لم يكن له من الاستعداد والتدريب ما يماثل الجيوش المملوكية وهذا ما يفسر الانهيار السريع لقوات الأمير همام أمام قوات على بك أثناء لقائهما فى معركة أسيوط كما كان الأمير همام يتحالف مع القبائل العربية الهوارية من أبناء عمومته وغيرهم ويعقد بذلك أحلافاً مكتوبة ومشهود عليها وذلك وقت السلم والحرب ومثل هذا ما حدث عام 1159هـ من تحالفه مع قبائل عربان الهوارة كما كان الأمير همام يستعين بعربان الهوارة فى نضاله ضد الباشا العثماني.
وصف القلعة
ويصف الدكتور محمود عبد الوهاب القلعة موضحًا أنها بنيت بالطوب اللبن المصنوع من الطمي والرمل مضافا إليهما نسبة قليلة من التبن واستخدم الطوب اللبن من قبل فى بناء أسوار وأبراج مدينة القاهرة فى العصر الفاطمي و بنيت جدران القلعة بطريقة هندسية تتحمل الضغوط بحيث اختلف سمك الجدران وزاوية الميل وترتفع جدران القلعة 6م والأسقف تتكون من الأقبية والقباب النصف كروية والعقود النصف دائرية فى الأبواب والنوافذ ولم يستخدم المعمار الأخشاب فى البناء نظراً لسرعة تآكلها فى هذه المنطقة الجبلية بسبب آفة القرضة ولقد ضمت قلعة همام كثيراً من العناصر التى يتطلبها الموقع العسكري مثل قربها من مصادر المياه العذبة والإشراف على الطرق الهامة وغير ذلك من عناصر العمارة الحربية التي وجدت فى القلاع والحصون المصرية .
مكونات القلعة
يضيف الدكتور محمود عبد الوهاب أن القلعة تتكون من مبنيين منفصلين المبنى الرئيسي هو المبنى الجنوبي مساحته 2156م2 أى ما يزيد عن نصف فدان وما زالت معظم جدران هذا المبنى قائمة وإلى الشمال منه المبنى الثانوي وهو مبنى صغير تبلغ مساحته 1050م2 أي ربع فدان وهى نصف مساحة المبنى الرئيسي والتي ربما كانت مخازن وطواحين وغير ذلك من الملحقات وفى الجنوب الغربي من مباني القلعة منطقة متسعة تزيد مساحتها على خمسة عشر فداناً بها أطلال مباني قديمة ردمت بالرمال ربما كانت تمثل وحدات لسكن الجند ومخازن للغلال والأسلحة وغير ذلك من لوازم الجيش وتقع الثكنات الحربية لمساكن الجند جنوب غرب مبنى القلعة بحوالي 150م وهى منطقة متسعة تزيد مساحتها على خمسة عشر فداناً بها أطلال مباني قديمة ردمت بالرمال وأثرت عليها العوامل الجوية والى الغرب من مباني القلعة توجد منطقة متسعة تبلغ مساحتها حوالي عشرة أفدنة خالية كانت ميداناً لتدريب الجند على الأعمال العسكرية فى وقت السلم واستعراض الخيل فى وقت المناسبات والاحتفالات خصوصا أن مدينة فرشوط مقر حكم همام لم يكن بها مكان يتسع لاستعراض الخيل وتدريبهم وأيضا حتى يكون الجيش بعيدا عن المدينة وقد سجلت هذه المنطقة فى عداد الآثار الإسلامية والقبطية بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم1562لسنة 1998 وتشرف عليها حالياً منطقة الآثار الإسلامية والقبطية بنجع حمادي.