فى ذكرى أربعينية سيد حجاب.. صلاح حجاب يحكى عن توأم روحه

فى ذكرى أربعينية سيد حجاب.. صلاح حجاب يحكى عن توأم روحهفى ذكرى أربعينية سيد حجاب.. صلاح حجاب يحكى عن توأم روحه

*سلايد رئيسى6-3-2017 | 00:39

حوار: عاطف عبد الغنى

بانكسارة المفارق للمحب قال بمجرد أن ذكرت له اسمه:

"أبو السِيد توكل ومشى.. كنت عامل حسابى يشيل معايا لكنه توكل ومشى"..

قلت له: سيد حجاب ليس مجرد أخ شقيق لك .. أعرف أنه توأم روحك.. من فيكما الأكبر عمرًا؟!

قال المهندس صلاح حجاب : " ده أصغر منى بكتير بينى وبينه أربعة (أخوات بنات) سيد 73 عامًا وأنا ماشى فى الـ 85..

".. كنت بتتعامل معاه على أنه أخوك الصغير؟!"

قال لىَّ: "هو كان بيتعامل معايا على أنى أخوه الكبير"

واسترسل صلاح حجاب يتكلم وقليلًا أقاطعه بتعليق أو سؤال:

.. فى ندوات التخطيط والعمارة التى أشارك فيها كنت دائمًا أقول "حتة" من قصيدة له غناها على الحجار.. تقول: يا مصرى ليه دنياك لخابيط ..والقلب محيط والعنكبوت عشش ع الحيط.. وسرح ع الغيط ..يا مصرى قوم هش الوطاويط.. كفاياك تبليط.. صعبة الحياة والحل بسيط.. حبة تخطيط.

-أنت اشتغلت فى تخطيط وهندسة العمارة وهو اشتغل فى هندسة الكلام.

قال لىّ: "هو لعب بلغتى وكيف يعبّر عن نفسه وأفكاره ومشاعره، تكفى قصيدته الطويلة المعنونة "قبل الطوفان الجاى" صدرت عام 2009 وتوقع فيها كل ما حدث فى العالم العربى.. هل قرأت قصيدته "سلوا قلبى"؟!

قلت له ده قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقى التى شدت بها أم كلثوم..

قال: سيد حجاب عرضها بأسلوبه ولخص فيها حالنا وحال الناس الآن.. وسحب ورق مطبوع ومركون إلى جواره وأخذ يقرأ سلوا قلبى وقولوا لى جواب.. لماذا حالنا أصبح هباب؟ لقد زاد الفساد وساد فينا.. فلم ينفع بوليس أو نيابة وشاع الجهل حتى أن بعضنا.. من العلماء لم يفتح كتابًا وكنا خير خلق الله، وصرنا.. فى ذيل القائمة وفى غاية الخيابة واستمر حتى انتهت القصيدة التى استدعت إلى ذهنى بيرم التونسى وأزجاله الحارقة..

الأيام الخوالى

قلت أعيده إلى البدايات لعلى أجد فيها المآلات

-ما هو ترتيب سيد حجاب بين إخوته؟!

-هو الرابع، وأنا الأكبر بينهم.. نحن من المطرية/دقهلية ولدنا فى مجتمع تشيع فيه الثقافة الجمعية أبونا كان رجلًا موظفًا "غلبان" لكن بيتنا لم يخلو من المكتبة فيها كل ألوان المعرفة وهذه كانت سمة البيوت المصرية..

كان سيد طفلًا حفيدًا عندما اصطحب الوالد الأسرة فى زيارة من بلدتنا إلى القاهرة وسكنا بيتًَا فى السيدة زينب، وفوق سطح عربية "كارو" جلست الأسرة، وصعدت بنا العربة التى يجرها حمار إلى جامع الجيوشى، وزرنا جامع أحمد بن طولون الذى لم أدخله إلا مع أبى أحمد حجاب، ومنح أبى خادم الجامع بقشيشًا سخيًّا خمسة قروش وكان هذا مبلغًا كبيرًا وقلت لأبى هذا معلقًا على البقشيش فجاوبنى، هو طاف معنا المكان وأرانا ما يزيد على 100 شباك  مختلف التصاميم لذلك يستحق هذا المبلغ.

ويوم عقد قران ابنة صلاح حجاب وكان فى نفس الجامع لم أغادر سيارتى المركونة أمامه لأننى لن أستطيع صعود سلالمه هذا على الرغم من أن المكان مزارًا للسياح ويستقبل الكبير فى السن والعجائز.

وعاد صلاح حجاب للحكى فقال : فى زيارتنا صحبة الوالد للقاهرة أم الدنيا ركبنا "تروماى" إلى روض الفرج ودفعنا ستة مليمات وعلى شاطئ النيل فى روض الفرج رأيت أعجوبة ولم تكن تلك الأعجوبة الكباريهات أو المسارح المنتشرة فى المكان ولكن الطائرات الحديد العائمة.. طائرات الإنجليز التى ترسو على شاطئ النيل وظل المشهد فى خاطرى وعندما كبرت كتبت مقالًا عن أطول ممر للطائرات "رن أواى" فى مصر وهو مجرى نهر النيل.

لقد بهرنى ذلك لأننا فى المنزلة لم نعرف إلا المراكب الخشبية وحسبنا أنها فقط هى التى تستطيع العوم..

3 خواجات

لم يكن فى المطرية مدرسة للمرحلة الثانوية،و المطرية مدينة تابعة لمركز المنزلة وأساس اقتصادها صيد السمك، وأنا فى مرحلة الابتدائى كان هناك فى المطرية 3 خواجات "جريك" كان أحدهم يعمل ترزيًا، وآخر بقال، وثالث صاحب مقهى، وأولاد الأخير شاركوا فى الحرب العالمية الثانية، كانوا جنودًا فى جيش اليونان تحت الوصاية البريطانية، وفى الإسكندرية كانت هناك بورصة القطن العالمية، أسعار القطن فى العالم تتمدد من خلالها، وكان المطوفون يأتون إلى مصر فى موسم الحج لينتقلوا مع المسافرين إلى الأراضى المقدسة لأداء الفريضة.. وكان أبناء أوروبا يأتون إلى مصر بحثًا عن عمل ونحن الآن نغرق للعبور إلى أوروبا.

دعنا نعود إلى أبو السِِيد شاءت الظروف العائلية أن تعيد توزيع العائلة وتتدخل فى مستقبل سيد، هو حصل على الثانوية العامة وأنا فى القاهرة بصحبة أختينا الملتحقتين بالجامعة ولابد أن أتركهما لأتمم مشروع زواجى، وسيد أرسله التنسيق إلى جامعة الإسكندرية قسم العمارة، فتدخلت وقمت بنقله إلى جامعة القاهرة ليلحق بكلية الهندسة –قسم التعدين- فيها، وذلك ليعيش مع أختينا وفى هذه الأثناء كان شيطان الشعر قد تلبسه، فأرسل إحدى قصائده وكانت عن "فيروز" إلى رئيس تحرير مجلة صباح الخير صلاح جاهين فنشرها الأخير فى باب مخصص للشعراء الجدد، وأطرى عليها، وعندما قابلت جاهين فى مقهى كنا نجلس عليه قلت له مجددًا عن سيد فطلب منى أن يلتقيه بصحبتى فى مكتبه بالأهرام.

وفى مكتب جاهين بمبنى الأهرام القديم الكائن بباب اللوق رأيت عبد الرحيم منصور وعبد الرحمن الأبنودى الشاب الذى تمرد على الوظيفة والاستقرار فى الصعيد فجاء القاهرة يقدم موهبته الشعرية.

وسألنى جاهين (الكلام لصلاح حجاب): هل تعرف أن يوسف إدريس طبيب؟!

جاوبته: أعرف، فقال هو كاتب قصص، وأنت مهندس أليس كذلك؟! قلت له نعم: قال ولكن المهندسين كثيرون ، أما الشعراء فهم أقلية، والهندسة لن تنقص واحدًا  لو تركها سيد حجاب من أجل الشعر.

من هنا بدأت رحلة سيد مع الأدب والشعر، وبدأت صداقتى أنا وهو مع صلاح جاهين الله يرحمه.

أنت وهو السفر

سافرتما  إلى أمريكا.. وهو إلى أين؟!

سيد قضى فترة فى سويسرا وتزوج من سويسرية هى السيدة إيفلين بوريه، وجعلها تعيش فى مصر وتحب مصر، وهى الآن تعيش فى الفيوم ولديها جاليرى للفخار المصنوع والمنقوش بأيدى أبناء القرية التى تعيش فيها وشجعها على هذا عبد الرحيم شحاته عندما كان محافظًا للفيوم.. إيفلين كانت زوجته الأولى تزوج بعد انفصاله عنها من أم ابنته ريم ثم تزوج أخيرًا السيدة ميرفت الجسرى التى عاشت معه حتى وفاته وهى سيدة فاضلة.

قلت له: فى المنطقة التى تعيش فيها إيفلين وفيها بيت بناه المرحوم سيد وجاء آخرون وبنوا حوله بيوت من وحى البيئة واشتهرت القرية ذات الخصوصية التى تحمل اسم التونسية حتى صارت مزارًا..

قال: إيفلين أحبت مصر من أجل سيد، وزميل مهندس بنى لهما بيتا فى هذا المكان بعد بحيرة قارون بقليل بعدها بدأ آخرون يبنون حولهما، وفى أواخر الستينيات عام 1968 تحديدًا ،وكنت قد عدت من رحلتى إلى أمريكا كان سيد معتقلًا بصحبة صلاح عيسى والأبنودى وآخرون وذهبت إيفلين وعطيات زوجة الأبنودى فقابلتا وزير الداخلية شعراوى جمعة، وقابلهما الأخير باحترام حتى أنه قدم  لهما "شوكلاته" فقالت له إيفلين لا آكل من يدك شيئًا حتى تفرجوا عن سيد فأمر جمعة بالإفراج عنه.

قلت للمهندس صلاح: فى ديباجة الدستور الحالى توقفت عند عبارة كتبها الراحل وفحواها أن العالم قد وصل إلى مرحلة الرشد، ولو أنى أرى العكس أن العالم يعود مجنونًا بممارساته الحالية، فهل ترى مثل المرحوم أن العالم قد بلغ رشده؟

قال صلاح حجاب: فى إطار ثورة الاتصالات من المؤكد أن العالم بتجاربه وممارساته وعلم الكثيرين عن الكثيرين يعرف كيف تسير الأحوال وكيف يخطط وكيف يتابع.

إذن نعود لبداياتنا.. التخطيط.. أنت كمهندس وهو كشاعر لماذا وكيف تريان دنيانا "لخابيط"؟!

القضية ليست فى التخطيط ولكن فى النيات الطيبة التى لا توصل إلى نتائج.. والأحلام كل الأحلام قابلة للتحقيق فى إطار أن يستشعر الجميع إمكانيات بلد فى هذا الموقع اسمها مصر، تملك ألف كيلو من على البحر، ومليون كيلو صحراء، وألف كيلو مجرى للنيل وغيرها من الخبايا التى أمكن معرفتها والتى لا يعرفها الكثيرون، ولا تنسى أن يوسف عليه السلام طلب من ربه أن يجعله أمينًا على خزائن الأرض التى اسمها الآن مصر، لذلك كنت دائمًا أستخدم تعبير "اللخابيط" وأن الحل بسيط "حبة تخطيط".

وعند الجملة الأخيرة انتهى حوارى مع صلاح حجاب.. وسبحان من له الدوام.

[caption id="attachment_7898" align="aligncenter" width="1000"]مهندس صلاح حجاب شقيق الراحل صلاح حجاب يتحدث إلى عاطف عبد الغنى مهندس صلاح حجاب شقيق الراحل صلاح حجاب يتحدث إلى عاطف عبد الغنى[/caption] [caption id="attachment_7900" align="aligncenter" width="465"]عالم الضوء والشعر الذى استغرق سيد حجاب عالم الضوء والشعر الذى استغرق سيد حجاب[/caption] [caption id="attachment_7899" align="aligncenter" width="1000"]صلاح حجاب يتذكر صلاح حجاب يتذكر[/caption]
أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2