يظن البعض بأن القرآن الكريم فضل الأم على الأب وذلك لذكرها بمفردها في أكثر من موضع بعد أن تقترن بالزوج، كما أنه قد ورد في الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رجلاً جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: أمك، قال: ثم من؟، قال: أمك، قال: ثم من؟، قال: أمك، قال: ثم من؟، قال: أبوك"، فكيف يفهم الأمر على سبيل المساواة أم التمييز؟
وفي بيان مراد الله تبارك وتعالى ونبيه يقول الإمام الراحل محمد متولي الشعراوي، وزير الأوقاف الأسبق، إن الله سبحانه وتعالى في توصيته بالأم قد اختصها؛ لأنها تقوم بالجزء غير المنظور في حياة الابن، أو غير المدرك عقلاً، بمعنى أن الطفل وهو صغير في الرضاعة وفي الحمل وفي الولادة، وحتى يبلغ ويعقل؛ مضيفاً: "الأم هي التي تقدم له كل شيء، هي التي تسهر لترضعه وهي التي تحمل وهي التي تلد، فإذا كبر الطفل وعقل، فالذي يجده أمامه أباه".
ولفت إمام الدعاة في كتابه "فتاوى النساء"، إلى أن الطفل إذا أراد شراء شيء يحققه له أباه، إذا أراد شراء لعبة جديدة أو ملابس جديدة أو مالاً وخلافه فإن أباه الذي يلبي له ذلك، مشدداً على أن فضل الأب ظاهر لابنه، في حين أن فضل الأم مستتر، لذلك جاءت التوصية بها أكثر من الأم.
وأكمل: الطفل حينما يحقق له أبوه كل رغباته يحس بفضل أبيه عليه، ولكن نادراً ما يقدر التعب الذي تعبته أمه، وهو يزيد أضعاف أضعاف ما يقدمه له أبوه، مشيراً إلى أن الهدف من التذكير هو أن ينظر إلى الأمهات ليرى كيف يتعبن، وكيف يعانين ويقاسين، وكيف يسهرن وماذا يتحملن؟، فالله أوصانا بالاثنين معاً، لكنه يوصينا بالأم وخصها بالذكر لأن تعبها يكون في مرحلة ما قبل الإدراك في حين فعل الأب بعد أن كبر واشتد عوده وأدرك ظاهراً الحب والتضحية.
بينما يؤكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية على اتفاق الفقهاء أن بر الوالدين كليهما فرض عين، وذهب الجمهور منهم إلى أن للأم ثلاثة أضعاف ما للأب من البر؛ وذلك لما تنفرد به عن الأب: من مشقة الحمل، وصعوبة الوضع، والرضاع، والتربية، والله سبحانه وتعالى أعلم".
وتابع علام: "أوجب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله وسلم بر الوالدين والإحسان إليهما في مواضع كثيرة؛ منها قوله تعالى" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ۞ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"، بل إن الله تبارك وتعالى قرن بر الوالدين بعبادته، وقرن عقوقهما بالشرك به سبحانه وتعالى؛ فقال عز وجل (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا).