«عروستى».. كوميديا رومانسية جيدة

«عروستى».. كوميديا رومانسية جيدةمحمود عبد الشكور

الرأى9-11-2021 | 17:39

ذهبت إلى مشاهدة هذا الفيلم وأنا لا أتوقع الكثير، بسبب ما شاهدت من تجارب محبطة هذا الموسم، لا تخلو هذه التجارب من أفكار لامعة، لكن معالجاتها تفشل فى أن تصنع عملاً جيدًا أو متماسكًا، أما فيلم "عروستي"، الذى كتبه مصطفى البربرى وأخرجه محمد بكير، فقد كان بالفعل مفاجأة سارة على كل المستويات، أخيرًا صنعنا كوميديا رومانسية ظريفة وجيدة، تدرس شخصياتها، وتلعب مع أبطالها، ومع جمهورها، بكثير من الذكاء وخفة الظل، وتمتلك إيقاعًا فيه الكثير من الحيوية، وتقدم تفصيلات عن حياة وأفكار هذا الجيل، وعلى موجته الخاصة، وتمنح أبطال الفيلم أدوارًا مميزة، ومن كل الأجيال، ولا أظن أن المعادلة لم تكن مستحيلة، إنما تحقق فقط الإتقان المطلوب، وإعطاء الاهتمام بالكتابة قبل كل شيء، وأعتقد أن مصطفى البربرى الذى كتب الفيلم، يمكن أن يضيف الكثير إلى السينما الكوميدية عمومًا، لو استمر فى تقديم سيناريوهات جيدة كما فعل فى "عروستي"، ولا أنسى بالتأكيد دور المخرج محمد بكير، وفريقه التقني، الذين فهموا النوعية التى يعملون عليها، لقد أدار بكير ممثليه بقدر كبير من الوعي، وكان إحساسه بكوميديا المشاهد، وإيقاعها وبنائها ممتازًا، وكان اختياره موفقا للثنائى أحمد حاتم وجميلة عوض، وكذلك اختيار بقية الممثلين، ومعه عناصر شابة مميزة ولافتة: تصوير بسام إبراهيم، ومونتاج من أفضل عناصر العمل لـ رندا محمود، وديكور سارة فرغل، وهناك بالتأكيد موسيقى خالد حماد فى عودة لافتة للموسيقار المتميز أثرت الفيلم، وصنعت أجواءه المرحة، وصنعت أيضًا بعض مشاهده المثيرة للشجن.

فكرة الفيلم تبدأ من المفاضلة بين زواج الصالونات المرتب، والزواج عن حب، والفيلم ينحاز فى النهاية للزواج عن حب، هذا ما يليق بجيل شريف (أحمد حاتم)، صاحب الشركة التى تنظم المناسبات والمعارض، ودليلة (جميلة عوض)، مترجمة الكتب والأفلام، والاثنان أبناء عصر الأجهزة الإلكترونية، وزمن الموبايل والواتس والبث المباشر والتيك أواى والفيس بوك..الخ، وهذه التفاصيل فى الفيلم ليست مجرد تكملة للحكاية، لكنها جزء منها، ووسائل للتعارف والاكتتشاف، ولممارسة لعبة عروستى المتبادلة بين الطرفين، ومن ناحية أخرى، لا يلغى الفيلم إمكانية وجود زواج صالونات، كما فى علاقة والد شريف (محمود البزاوي) وأم شريف، وإن كانت العلاقة يسودها الاعتياد والمناوشة، ومحاولة البحث عن شىء يكسر إيقاع الحياة الرتيبة.

لكن عقدة الفيلم تبدأ بعد وقوع الحب بين شريف ودليلة، إثر فشل إتمام زيجتى صالونات، حيث تبدأ لعبة من دليلة لاختبار شريف فى امتحانات متتالية، لمعرفة مدى إخلاصه، قبل إعلان خطبة الطرفين، فتتعهد دليلة بأن تكف عن هذه الاختبارات، لكن شريف يكتشف أن دليلة استمرت فى اختباراتها حتى بعد الخطوبة، وهنا يصمم على تركها، وفى الجزء الأخير، يتكاتف فريق الفيلم بأكمله، ممثلاً فى شريف ووالده وأمه وزميله فى الشركة (مروان يونس)، وزميلته فى الشركة (ندى كريم)، بمشاركة والدة دليلة (صابرين)، وصديقتها كارمن (زينب غريب)، كل هؤلاء سيلعبون على دليلة لكى تعود من جديد إلى شريف.

هذا الشكل المتماسك للبناء أدى إلى تطوير الفكرة، وممارسة اللعب على مدار الفيلم، وإعطاء دور لكل شخصية فى الفيلم، وساهم فى تطوير الحبكة بسلاسة، مع الرسم الجيد للاختبارات المتتالية من دليلة لشريف، بلمسات تجمع بين الكوميديا والرومانسية، ودون استطراد، وبتوظيف جيد لمقاطع غنائية مختصرة، ولمشاهد فوتومونتاج فى مكانها.

انضبط البناء إلى حد كبير، وانتقلنا من مرحلة إلى أخرى بشكل معقول، بل إن الفيلم لم يتجاهل تقديم مبرر نفسى هام فى لجوء دليلة لفكرة الاختبارات المتتالية، ووضع ما يشبه البرنامج المحكم لهذا الاختبار، وجعل كل ذلك مرتبطا بافتقاد دليلة للأمان، نتيجة معاملة والدها القاسية لأمها، وانفصال الأب والأم عن بعضهما، وخشية دليلة المرضية بأن تتعرض لما حدث لأمها، وقد تكرر هذا السبب فى حوار لدليلة مع شريف، وحوار آخر بين أم دليلة مع شريف، وكان يمكن الاكتفاء بحوار واحد منهما، لأن المعنى وصل تمامًا بدون تكرار.

فى نفس الوقت، فإن اختيار المملثين الموفق ساهم فى ترجمة الكتابة إلى مواقف ضاحكة ومؤثرة، بل إن التوافق بين أحمد حاتم، وجميلة عوض، كان عنصرًا أساسيًا: الاثنان بملابسهما وجمل حوارهما يمثلان أيضا هذا الجيل الجديد، صحيح أن الحب يظل لغزا دائما كما يقول الفيلم، لكن كل جيل يعبر بطريقته عن تلك العاطفة، كما أن الفيلم لم يضع بطليه معلّقين فى الفراغ، كما يحدث فى كثير من الأفلام الجديدة، لكنه وضعهما فى قلب أسرة وعائلة، العائلة هنا عنصر أساسى فى حياة شريف، خصوصا بأداء محمود البزاوى وحضوره الكبير فى دور الأب، وبأداء مميز من الممثلة التى لعبت دور أمه، والأم أيضًا دورها محورى فى حياة دليلة، والعلاقة بين دليلة وأمها لطيفة وثرية، وأمها، بأداء جيد جدا من صابرين، ستلعب دورا مهمًا فى استعادة دليلة لعلاقتها مع شريف، والفيلم ينتهى بتكوين عائلة جديدة من خلال بطلى الفيلم، أى أننا بصدد لعبة أدارتها العائلتان، لتكوين عائلة ثالثة، فكأننا نوجه تحية لا تنسى للأسرة، وتحية أيضًا للحب الذى يعنى الأمان، والتخلص من عقد الماضي.

لابد من نهاية سعيدة، لكن الفيلم ليس سطحيا أبدا، لقد استفاد من نوعية الكوميديا الرومانسية، وأثرى خطوطه وشخصياته فى كل الاتجاهات، حتى ضيف الشرف مثل شريف دسوقى قدم مشهدًا ظريفًا تتذكره بعد مشاهدة الفيلم، باختصار، لم يتعامل صناع الفيلم مع الكوميديا، ومع قصة الحب، باعتبارهما أشياءً مكررة، يمكن أن تقدما كيفما اتفق، وأن تضاف إليهما أغنيات والسلام، لكنهم صنعوا دراما متماسكة فيها كثير من الابتكار، كل اختبار لشريف خلفه فكرة، وكل مشهد فيه اجتهاد فى الحوار، وكل شخصية أساسية أو محورية لها دور فى الحبكة، يمكن فى ذلك زملاء الشركة، وصديقة دليلة ( زينب غريب فى دور ظريف يثبت من جديد أنها ممثلة جيدة وتستحق فرصًا كبيرة بالذات فى مجال الكوميديا).

ربما تدافعت الكلمات على ألسنة أحمد حاتم وجميلة عوض أحيانا بصورة تجعلك تتساءل عما يقولون، مما كان يتطلب ضبط الإلقاء وإعادته أحيانا، لكنها مع الأسف طبيعة الجيل الجديد، سواء فى الواقع، أو عند بعض الممثلين، وكأن الفيلم يعبر عن جيل بأكمله، سواء عن قصد، أو بعفوية أداء ممثليه.

أضف تعليق