بعد سقوط بغداد الأول عام ١٢٥٨م على يد المغول كان الأمر كارثيا لدرجة أن العرب أدركوا أنهم إلى زوال، ولا سبيل للخلاص وبعضهم فقد الأمل وتشكك فى عقيدته، وارتد البعض الآخر عن الإسلام.. كيف لا ينصرنا الله ونحن خير أمة أخرجت للناس؟. بالطبع كان ذلك بفعل الصدمة الكبيرة التى تعرض لها العالم العربي والإسلامي.. نعم الصدمة كانت قاسية.. بعد فترة وجيزة تحولت الصدمة إلى درس قاس يجب استيعابه جيدًا.
وكانت دولة المماليك فى مصر قد بدأت وتوحدت قوتها ونزعت عنها أسباب الفرقة والتشرذم وأخذت بأسباب القوة والبناء والتطور.. فقد سقطت الدولة الأيوبية فى وقت حرج بعد سقوط بغداد .. لكن هيهات بين من سقط ليقفز ومن سقط ليتحطم.. فقد كان سقوط دولة الأيوبيين فى مصر بداية لقفزة مزلزلة لدولة قوية هي دولة المماليك، والتي عملت على سرعة إعداد جيش قوي لصد هجمة التتار، واعتبر المحللون العسكريون والسياسيون أن المماليك كانوا على دراية كبيرة وفهم عميق أنه بسقوط بغداد ستكون القاهرة هي المحطة الأخيرة وينتهي العالم العربي إلى غير رجعة.. وربما العالم الإسلامي كله.. وكانت مصر الكنانة قد أعدت سهام الغضب للدفاع عن العرب.. وهزم التتار فى عين جالوت وتعقبهم المماليك حتى انتهت دولة المغول وتحولت معظم أرجائها فى مناطق جنوب روسيا وشرقها إلى الإسلام.
هكذا كانت وستظل مصر هي الملاذ الأول والأخير للأمة العربية والإسلامية.. وليت العرب قد تعلموا الدرس والذي تحول إلى دروس قاسية.. ولكنهم لم يتعلموا ولم يحاولوا تدارك أمرهم أبدًا، بل ازدادوا تفرقًا وتشرذمًا وتخبطًا.
ألم يعلم العرب أن العراق كان دولة غنية وسقطت بمساعدة العرب؟.. ألم يعلم الغافلون أن ليبيا كانت دولة غنية وسقطت ولم يشفع لها غناها وثراؤها وتحول شعبها إلى التشرذم والفقر..؟ وسقطت اليمن وكادت سوريا أن تسقط.. كذلك تونس كانت على شفا الهاوية.. أما مصر فكان لها نصيب كبير من محاولات الهدم والتحطيم.
لكن كانت مصر كعادتها دائما الملاذ الأول والأخير.. وانتفضت كالأسد الثائر لتحطم أيادي الذئاب العابثة، وتكشف المخطط ليتراجع الجميع محاولا الاختباء خلف دعاوى الكذب القديم.