يقول الأديب المغربي الدكتور منير السرحاني، أن نجيب محفوظ يمثل ٤٠ عامًا من الإبداع الروائي، أسس من خلالها لرواية عربية تذهب نحو الأفق العالمي والكوني.
مضيفًا: " هي تجربة أدبية فريدة قد لا تتكرر، توجها بأكثر من خمسين عمل سردي، إذ تمكنت تحفته الروائية الثلاثية المشهورة و ملحمة الحرافيش وشخصياته الروائية الإشكالية: أحمد عبد الجواد، سعيد مهران وأنيس زكي من ولوج العالمية حتى مكنت محفوظ من الفوز بجائزة نوبل سنة 1988.
مشيرًا الى أن نجيب محفوظ روائي كبير لأنه فتح النص الروائي العربي على الواقع بالالتفات اليه وتصويره ومساءلته. كاتب كبير لأنه يخط بذلك تفاصيل النفس الإنسانية بكل تناقضاتها داخل المعترك الاجتماعي من خلال نماذج مصرية استهوته حياتها في أزقة القاهرة وكشف ما يحدث في شوارعها الخلفية والعميقة. روائي كبير لأنه رحل من الرواية التاريخية إلى رواية السخرية وهو على وعي فكري بهذا الانتقال.
فبفضل حسه التاريخي ووعيه الفني العميق تمكن من إدراك مفاصل التطور في المجتمع المصري وخطوطه الخاصة.
لقد كتب محفوظ رواية تبدأ بالواقعية شبه التسجيلية، وتعمقت هذه التجربة من خلال الرواية الميتافيزيقية، لينتهي إلى تقنية جديدة في إضاءة الواقع عبر الحلم والهذيان ثم تبديد الحلم نتيجة لهجوم الواقع، وهو ما تمثله رواية "ثرثرة فوق النيل". دخل بفضل هذه الواقعية عالم بلزاك، فلوبير، واخرين.
وأضاف "سرحاني" أن نجيب محفوظ أسس رواية عربية تدخل فيما يسمى أكاديميًا بالوضع السيكولوجي، وهي صدى للرؤية الاجتماعية والنقدية الذاتية، فكانت رواية "السراب" تمثيلا لها. وفي سنة 1959 اختار منحى ميتافيزيقيا فكتب رواية "أولاد حارتنا" لتليها الرؤية الوجودية والعبث واللامعقول مع "اللص والكلاب" و"ثرثرة فوق النيل" و"ميرامار". وفي أواخر أعماله كتب "حضرة المحترم" (1975)، التي تبنى فيها استيطيقا السخرية في الكتابة الأدبية. وهنا يُقَارن بالكبار مثل ماركيز، كامي، يونيسكو وبيكيت، تشيكوف، موباسان وتلستوي، وهم روائيون قرأهم نجيب محفوظ وأحب أعمالهم.
بالإضافة الى اختصاره لتطور الرواية العربية اذ ذهب بها الى عوالم شاسعة فصارت مقروءة عالميا، لعل ما يميز نجيب محفوظ هو قدرته على تجاوز أعماله. فهو الكلاسيكي والحداثي، التقليدي والمعاصر، الواقعي والغرائبي. لقد استطاع التنقل بين مراحل الرواية برفق وهدوء كأنه يؤسس للرواية من بدايتها فينتهي بها الى التجريب فينافس بذلك كبار الروائيين في الغرب. بكل هذه الخصوصيات محفوظ لن يتكرر لانه الزمن الروائي الذي كتب فيه لن يعيد نفسه، زمن من الصعب الكتابة فيه بالطريقة التي انجزها هو ثم إن وعيه الكبير بتداخل السرد والفن والتشكيل والتصوير عبقرية تنقص العديد من كتابنا في العالم العربي لأن الرواية العربية تعاني من العمى الجزئي وأحيانا من عمى كلي يجعلها تكتفي بالسرد وتنسى أن تربي القارئ بصريا.