الأسرار من أكثر الأشياء، التى يشق على الإنسان كتمانها، وكل القوانين تفرض عدم إفشاء أسرار أماكن العمل والأسرار المهنية لعديد من المهن، كالطب والمحاماة والصحافة، وأيضًا الأسرار الشخصية بالنسبة للأفراد، وذلك تحقيقًا لهدفين، أولهما حماية المصلحة العامة، وثانيهما احترام الحرية الشخصية، وقد لا يعرف كثير من الناس تمييز المعلومات التى يجب حمايتها وعدم إفشائها، ويشكل القانون الحد الفاصل بين ما هو مسموح أو ممنوع من الإفشاء من معلومات وأسرار.
وإذا كان القانون يجرم إفشاء أسرار العمل والمهنة والأشخاص فما بالنا بأسرار الدولة.. وبالفعل فإن قانون العقوبات يجرم إفشاء أسرار الدولة المصرية، وفى ظل وجود جرائم مستحدثة فقد استوجب الأمر مواكبة هذه الظروف والتى كان من أبرزها الجرائم المضرة بأمن الدولة، فحروب العصر الحديث اتخذت صورًا وأساليب لا عهد للماضى بها، وكشف ذلك التطور فى الأفعال الإجرامية مالم يكن معروفًا من قبل مما أوجب على الدولة أن تعمل على مواجهتها، فتقدمت الحكومة بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات لتغليظ عقوبة إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة لحماية الأمن القومى للبلاد.
ويتضمن إفشاء أسرار الدولة كل من حصل بأية وسيلة غير مشروعة على سر من أسرار الدفاع عن البلاد ولم يقصد تسليمه أو إفشاءه لدولة أجنبية أو لأحد ممن يعملون لمصلحتها، وكل من أذاع بأية طريقة سرًا من أسرار الدفاع عن البلاد باستخدام وسائل التراسل لجهة أجنبية، وكذلك كل من نظّم أو استعمل أية وسيلة من وسائل التراسل بقصد الحصول على سر من أسرار الدفاع عن البلاد أو تسليمه أو إذاعته.
وكل من قام بجمع الاستبيانات أو الإحصاءات أو إجراء الدراسات لأى معلومات أو بيانات تتعلق بالقوات المسلحة أو مهامها أو أفرادها الحاليين أو السابقين بسبب وظيفتهم دون تصريح كتابى من وزارة الدفاع.
وفى أول نوفمبر الحالى وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات لتغليظ عقوبة إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة.
وتضمنت التعديلات أن تكون العقوبة الحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على 5 سنوات، لتحقيق مزيدًا من الردع العام إزاء هذه الجريمة، وغرامة تقديرية لسلطة القاضى تتراوح من 5 آلاف حتى 50 ألف جنيه.
ومع التطور التكنولوجى الرهيب لم يعد هناك أسرارا بالمعنى التقليدى، فمع الإنترنت و جوجل إيرث صار كل شىء مكشوفًا، فالتكنولوجيا فضحت كل الأسرار، لذلك فالسلاح الحقيقى فى هذه المعركة هو وعى المواطن، وتتطلب صناعة الوعى مشاركة كافة مؤسسات الدولة فى وضع خطة متكاملة للتصدى لمحاولات قوى الشر فى تهديد الاستقرار.
وتتطلب مهمة صناعة الوعى الانتقاء الدقيق للقائمين عليها، وإجراء دراسات وإحصاءات فى كيفية تنفيذ تلك الخطة، فوعى المواطن هو الرهان الحقيقى فى أى معركة لأنها تسهم فى دعم قدرته على التحمل ومساندة الدولة، فالحروب الجديدة وهى حروب الجيل الرابع والخامس مبنية على التعامل ليس فقط على السلاح وإنما الوعى أيضا.
ومن هذا المنطلق فقضية بناء وعى المواطن المصرى يجب التعامل معها كأحد المشروعات القومية الكبرى للدولة، فالنجاح فى بناء وعى المواطن يسهم فى حماية الدولة والحفاظ على الإنجازات التى تحققت.
وبالتالى هناك حاجة ماسة لقيام الوسائل الإعلامية بمخاطبة المواطن البسيط للتصدى للحروب الجديدة وتفنيد أى شائعة والرد العاجل المقنع عليها، وتجسيد بطولات أبناء الشعب وتعزيز الانتماء الوطنى والهوية المصرية، وكل ذلك يدعم معركة الوعى ويسهم فى تنوير العقول والتعريف بحقيقة ما يدور حولنا.
فالمواطن الواعى لن يشارك فى نشر الشائعات على مواقع التواصل أو فى عمله أو بين أهله ومعارفه، فالمواطن الواعى سيحافظ على المال العام لأنه ملك له ولأبنائه وأحفاده، إن التطورات الكبرى التى نعيشها وتحيط بنا تستدعى أن نكون جميعًا جنودًا فى معركة الوعى.