ربما تشى مسيرة انتشار الأسلحة أو القدرات النووية العسكرية حول العالم منذ مايناهز أربعة عقود خلت من الزمن هى عمر نظام منع الانتشار النووى، بدءا من الحالة الإسرائيلية، ثم الجنوب أفريقية مرورا بالحالتين الهندية والباكستانية، وصولا إلى الحالتين الكورية الشمالية والإيرانية، تشى بأن ذلك النظام، الذى تعتبر معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لسنة 1968 والمعروفة اختصاراً باسم N.P.T وكذا البروتوكول الإضافى الملحق بها سنة 1997 حجر الزاوية فيه، قد أخفق إلى حد كبير فى تحقيق الغرض الأساسى الذى وضع من أجله والمتمثل فى الحيلولة دون انتشار الأسلحة والبرامج النووية العسكرية حول العالم.
الأمر الذى دفع بالمجتمع الدولى لتحرى السبل الكفيلة بالبحث عن نظام عالمى جديد لمنع الانتشار النووى، على نحو بدت خطواته الأولى جلية فى مؤتمر "مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي"، الذى تستضيفه مدينة نيويورك خلال الأيام القليلة المقبلة.
ثنائية الاحتكار والتمييز:
وإذا جاز لنا إرجاع ذلك الإخفاق لأسباب عديدة، فإنه يمكننا الإدعاء من جهة أخرى بأن ذلك النظام قد ولد معيبا وحاملا بين ثناياه عنصر ضعف وقصور كونه قد تأسس على مبدأ احتكار دول بعينها للسلاح النووى دون سواها مع إحتفاظها بحقها فى تطويره وتضخيمه كيفما شاءت،فى الوقت الذى لا تدخر تلك الدول وسعا فى منع غيرها، وبشكل إنتقائى أيضا، من أن تحذو حذوها، بل وإذلال من تسول له نفسه من غير حلفائها تحدى هذا الوضع الجائر.
وبرأسه يطل ذلك الطابع التمييزي لمعاهدة منع الانتشار النووى، والتى لا ترسخ نظاماً فعالا وعادلا لنزع الأسلحة النووية وحظرها بقدر ما تميز بين دول استطاعت أن تمتلك تلك الأسلحة بإجرائها تفجيرا نوويا قبل الأول من يناير عام 1967، وأعطتها المعاهدة الحق في أن تكون دولاً نووية معلنة أو معترفاً بها،وهى الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن الدولى، وبين بقية دول العالم التي لم تستطع أن تحقق نفس الإنجاز قبل ذات التاريخ، ومن ثم كان لزاما عليها أن تبقى دولاً غير مالكة للسلاح النووي، لا سيما تلك التى قبلت أن تكون داخل نظام منع الانتشار طواعية أو حتى قهرا إثر ضغوط مارستها عليها الدول الكبرى، الأمر الذي قد تشعر معه بعض الدول بالظلم الواقع عليها، نتيجة وجودها داخل النظام والتزامها بمنع الانتشار في الوقت الذي اختارت فيه دول أخرى أن تبقى حرة خارج ذلك النظام أو أن تنسلخ عنه فتبني قوة نووية عسكرية حتى وإن ظلت مصنفة دولياً كدولة نووية "غير معلنة". ومع هذا التمييز، فإن الأمر قد يبدو، في نظر الرأي العام داخل الدول الملتزمة، كما لو أن التزامها قد أنتج "عقوبة" عليها، في الوقت الذي كان عدم الالتزام "مكافأة" لغيرها،وهو إحساس يمثل لغما فى طريق نظام منع الانتشار في الأجلين المتوسط والطويل.
كذلك، لا يفرض النظام الدولي لمنع إنتشار الأسلحة النووية حظراً شاملا وصارما لذلك الانتشار على المستوى الرأسى، بل يكتفى بمجرد منعه فقط على المستوى الأفقى، ما يعنى أن من حاز تلك الأسلحة قبل يناير من عام 1967 بإمكانه أن يظل محتفظاً بها وأن يطورها كيفما شاء بإنتاج أسلحة أو أجيال جديدة أكثر تدميراً ، وكذلك أنظمة إيصال لهذه الأسلحة أبعد في مداها، وأدق في أنظمة توجيهها، وأقدرعلى حمل أعداد متزايدة من الرؤوس النووية. أي أنه لم يمتنع على الدول النووية أن تستمر على طريق "الانتشار الرأسي" لأسلحتها النووية، أما الدول غير النووية في مفهوم معاهدة منع الانتشار فيمتنع عليها إنتاج أو نقل أو حيازة أو تطوير أية أسلحة نووية، فكأن المقصود إذن أن ينصرف عدم الانتشار إلى عدم الانتشار الأفقي بالأساس للأسلحة النووية، أي عدم توسيع دائرة النادي النووي، الذي يجب أن يظل مقصوراً فقط على الخمسة الكبار .
ومن ناحية أخرى،غاب عن نظام منع الانتشار النووى إيجاد آلية رادعة من شأنها أن تحمل الدول النووية الخمس المعلنة على إحترام التزاماتها التي تفرضها عليها معاهدة منع الانتشار النووى والخاصة بعدم مساعدة أية دولة غير نووية على تطوير أو حيازة أسلحة نووية، ومن ثم لم تتورع تلك الدول عن مخالفة التعهد بعدم مساعدة دول غير نووية، حتى ظهرت دول عديدة بقدرات نووية متباينة ليصل الأمر فى النهاية إلى ما يسمى بظاهرة "الدول النووية غير المعلنة" وهى الدول التى إنضمت مؤخرا إلى النادى النووى إلى جوار الخمس الكبار بعد أن تمكنت من التحايل على نظام منع الانتشار النووى وإستطاعت تصنيع أوإمتلاك أسلحة نووية كإسرائيل فى مطلع سبعينيات القرن الماضى، وكذا جنوب أفريقيا ثم الهند ومن بعدها الباكستان، حتى بتنا أمام خمس دول جديدة تمتلك أسلحة نووية إلى جانب الخمسة الكبار هى إسرائيل وجنوب أفريقيا(أعلنت تفكيك برنامجها النووى العسكرى قبل قرابة عقدين) والهند وباكستان ومؤخرا كوريا الشمالية التى أجرت تفجيرين نوويين، بمساعدة أوتواطؤ أولئك الكبار،الذين تورطوا دون استثناء، في مخالفات صريحة لالتزاماتها الدولية بموجب معاهدة منع الانتشار.
وعلاوة على ذلك، استطاعت دول أخرى تطوير قدرات نووية حتى باتت دولة "عتبة نووية"مثل إيران بعد أن حصلت على التسهيلات تحت ستار الإستخدام السلمى إلا أن بعضها استعملتها لصناعة القنابل الذرية مثلما فعلت كوريا الشمالية, التى لم يسعها بعد اكتشاف أمرها إلا أن تقوم بالانسحاب من المعاهدة وكأنه لم يحصل شيء مثير، ولم تفلح مساعى الدول الكبرى لاستصدار قراري مجلس الأمن رقمي1718,1695لمطالبة كوريا الشمالية بالعودة الي المعاهدة . وليس أقل خطورة أن المواد أو التصميمات أو التكنولوجيا أو الكوادر التي وظفت في بناء برامج نووية لدول أعضاء في نظام منع الانتشار، قيل إنها كانت برامج ذات بعد عسكري، وخاصة في حالات العراق وكوريا الشمالية وليبيا وإيران، قد جاءت من دولة أو أخرى من الدول النووية الخمس المعلنة دائمة العضوية في مجلس الأمن، أو من شركات تابعة لهذه الدول، وإن كان بعضها قد جاء من السوق النووية الدولية السوداء.
وإذا كانت معاهدة منع الانتشار تفرض التزاماً بتقديم المساعدة للدولة غير النووية في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، فإن الدول النووية المعلنة أصبحت تتبع في هذا الشأن سياسات "تمييزية" ضد دول غير نووية كثيرة، لدوافع أو لتقديرات سياسة خاصة أو غير منصفة. وهو الأمر الذي يدفع بهذه الدول مسافات بعيداً عن روح معاهدة منع الانتشار. فها هى مصر على سبيل المثال قد صادقت علي معاهدة الانتشار النووي في فبراير سنة1981 كشرط لتزويدها بالمفاعلات النووية التي كان منصوصا عليها في المشروع النووي السلمى الذي بدأه الرئيس السادات، ولكن بعد التصديق بدأت الولايات المتحدة في المماطلة حتي تم إلغاء البرنامج سنة1986 ولكن بعد أن التزمت مصر اتفاقية منع الانتشار النووي إلى الأبد،حيث كان أجل الاتفاقية ينتهي سنة1995 إلا أن الولايات المتحدة قادت حملة عالمية لتحويلها إلي نظام عالمي دائم .
وعلاوة على ما سبق،تعانى NPT من جوانب قصور عديدة، إذ دخلت هذه المعاهدة حيز النفاذ في عام 1970بعد أن وقعت عليها 43 دولة، وفى حين تخضع المعاهدة للمراجعة في مؤتمر يعقد بالأمم المتحدة كل خمس سنوات بغرض زيادة فاعليتها ومعالجة أوجه العطب في تنفيذ بنودها،فقد تم مدها إلى أجل غير محدد في مؤتمر المراجعة الذى عقد عام 1995،بينماعقد أحدث مؤتمرات المراجعة في مايو 2005،غير أنه انتهى إلى فشل ذريع، كشف عن العجز التام عن التوصل إلى توافق بين الدول الأعضاء بشأن كافة القضايا المطروحة على جدول الأعمال، حتى إن المؤتمر لم يفلح فى تبني أي قرار بشأنها،وهو الأمر الذى يفصح عن جوانب خلل مهمة فى الإتفاقية وإخفاق واضح بالتبعية لنظام منع الانتشار النووى.
مسؤولية الدول النووية:
مما يثير الدهشة، أن نظام منع الانتشار النووي لا يتضمن أي نص صريح يحظر استخدام الأسلحة النووية كما يفتقد لوجود آلية ملزمة من شأنها أن تجبر الدول المالكة للسلاح النووى على الإلتزام بمنع الإستخدام ويفرض عليها عقوبات رادعة حالة إقدامها على هذا الخرق.ورغم أن محكمة العدل الدولية قد أصدرت رأياً استشارياً مهماً يذهب إلى القول بتحريم استخدام الأسلحة النووية باعتبارها أسلحة دمار شامل، يبقى هذا الرأي الاستشاري ذا قيمة سياسية رمزية لا تصل في أهميتها إلى حد ما تمثله النصوص القانونية الملزمة والتي يترتب على انتهاكها عقوبات دولية صارمة.
وفى ظل عدم عدالة نظام منع الانتشار النووى ومع تشديد الدول الكبرى المحتكرة للأسلحة النووية الخناق على الدول غير النووية، تصر تلك الأخيرة على المضى قدما فى برامجها النووية.
فنظام صدام حسين فى العراق لم يزدد إصرارا على مواصلة مساعيه لبلوغ طموحاته النووية إلا بعد أن تعرض للحصار الإقتصادى والضربات العسكرية المتتالية، وكذلك إيران، التى لم يزدها الحصار الإقتصادى والعزل السياسى إلا عزما على إستئناف وتطوير قدراتها النووية وبرامجها الصاروخية، حيث جاء إعلان الرئيس الإيراني افتتاحه لأول مشروع إيراني لإنتاج الوقود النووي بعد يوم واحد فقط من بدء ترتيبات المفاوضات المباشرة حول الحوافز الأوروبية لطهران من أجل تعليق برنامجها النووي.
أما كوريا الشمالية، التى سبق وأن أبرمت اتفاقا إبان المحادثات السداسية لتفكيك محطتها النووية يونغبيون مقابل معونات غربية ضخمة وإنهاء عزلتها الدولية،فقد تراجعت مؤخرا و أعلنت مجددا إستئناف عمليات معالجة قضبان الوقود النووي المستنفد لإنتاج البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه في صنع الأسلحة النووية كما طردت مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد جاء التحرك الجديد لبيونغ يانغ بعد ساعات قلائل من وضع لجنة بمجلس الأمن الدولي ثلاث شركات كورية شمالية ضمن قائمة سوداء للأمم المتحدة. كذلك، كانت الانتقادات اللاذعة لكوريا من مجلس الأمن بسبب اطلاقها صاروخا بعيد المدى وراء طردها المفتشين والخبراء الأميركيين ومقاطعة المحادثات السداسية الرامية إلى نزع السلاح النووي ، وإعلانها إعادة تشغيل جميع منشآتها النووية،وتأكيدها فى الثامن من مايو الماضى أنها ستجمد الحوار مع الولايات المتحدة طالما، التى تعتبرها خصما وعدوا، كما ستعزز من قدراتها للردع النووى فى مواجهة السياسات العدائية التى تنتهجها واشنطن حيالها .و يؤكد خبراء أن كوريا الشمالية، التي أجرت أولى تجاربها النووية في أكتوبر 2006و لديها من المواد الإنشطارية ما يكفي لصنع ما بين ست قنابل نووية إلى ثمان، تريد فصل اليورانيوم من قضبان الوقود المستنفد التي تخضع للتبريد قد تستغرق وقتا قصيرا, ربما ثلاثة أشهر لإعادة تشغيل منشأة إعادة المعالجة من جديد، وقد تحصل منها على مادة كافية لصنع قنبلة نووية أخرى على الأقل. وفى نهايات شهر مايو الماضى أيضا، أجرت بيونج يانج تجربتها النووية الثانية تحت الأرض، التى وصفتها مصادر كورية شمالية بأنه أقوي من سابقتها التي أجريت في العام 2006, حتى أن تلك التجربة الجديدة تسببت في زلزال بلغت قوته4,7 درجة بمقياس ريختر، كما كشفت الأنباء الكورية الجنوبية عن أن بيونج يانج اختبرت أيضا وبنجاح ثلاثة صواريخ قصيرة المدي بعد مضي ساعات على إدانة مجلس الأمن بالإجماع تجربتها النووية .
وفى ذات السياق،حذر الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية مطلع شهر مايو 2009 من أن هناك ما بين10 إلى20 دولة حول العالم بسبيلها لإمتلاك القدرة علي إنتاج أسلحة نووية قريبا في حالة عدم اتخاذ القوي الكبري خطوات جذرية للتخلص من ترسانتها النووية،وأكد البرادعي, في تصريحات لصحيفة الجارديان البريطانية, أن عدد الدول التي من المحتمل أن تصبح نووية قد يرتفع إلي أكثر من الضعف, وأن خطر هذا الانتشار يتعاظم بشكل خاص في الشرق الأوسط،الأمر الذى يعتبره البرادعى مؤشرا لإنهيار النظام الدولي الخاص بالحد من الانتشار النووي.
ولم تكن مساعى الدول الكبرى النووية لخفض ترساناتها النووية كمسار مواز مدعم لجهود عدم الانتشار النووى بأفضل حالا،حيث تواجه تلك المساعى الثنائية من قبل واشنطن وموسكو مصاعب عديدة،يتصدرها سعى كل طرف للى عنقها خدمة لأهدافه ومصالحة الإستراتيجية، إذ تمضى المفاوضات حاليا بينهما لمواصلة برامج الحد من الأسلحة النووية ترقبا للقاء القمة بين الرئيسين الأمريكى والروسى،بغرض تجديد معاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية ستارت 2 والتي ستحل محل معاهدة ستارت 1 اثر انتهاء فترة سريانها نهاية العام الجارى .ومن جانبها، تصر موسكو على ضرورة التوصل إلى معاهدة جديدة وليس الاكتفاء بتمديد السابقة، وأن تتضمن صيغتها الجديدة بنداً واضحاً في شأن عدم حصر عملية تقليص الأسلحة الإستراتيجية فى الرؤوس النووية وإنما يجب ان يشمل سحب طائرات وغواصات مزودة أسلحة نووية، كما يشدد الروس على ضرورة إبقاء بند يحظر نشر البلدين أسلحة إستراتيجية خارج حدودهما،ويصر الروس أيضا على إدراج الدرع الصاروخى الأمريكى ضمن أية ترتيبات .
وعبثا حاولت الدول الكبرى إصلاح جوانب القصور فى معاهدة حظر الانتشار النووى عبر البروتوكول الإضافي الملحق بها بهدف إحكام رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي البرامج النووية للدول غير النووية الأعضاء في الاتفاقية، لم تكن على المستوى المطلوب،فقد جاءت فكرة البروتوكول بعد أن بدا للدول الكبرى أن نظام التفتيش الذى أقرته الاتفاقية لم يخل من ثغرات سمحت لبعض الدول بتطوير قدرات نووية رغم انضمامها الي الاتفاقية. ومن ثم ابتدعت فكرة" البروتوكول الإضافي"الذى ينص علي ضرورة حصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي معلومات كاملة عن أي أنشطة نووية في الدولة المنضمة إليه, بما في ذلك الصادرات والواردات من المواد النووية، كما ينص علي حق مفتشي الوكالة في الوصول إلي أي مكان لتفتيشه فى أى وقت،حتي ولو نفت الدولة أية صلة له بالأنشطة النووية, وذلك في فترة زمنية قصيرة قد تصل الي ساعتين علي أن يشمل ذلك حق مفتشي الوكالة في الدخول الفوري الي الدولة والتوجه مباشرة الي المكان المطلوب تفتيشه.
يفهم من ذلك أن البروتوكول الإضافي يضع الدول غير النووية الموقعة عليه،بما فيها دول عربية، تحت الوصاية الفعلية للوكالة الدولية للطاقة الذرية،حيث بدأت الدول الكبرى تمارس ضغوطها على تلك الدول لحملها على توقيع البروتوكول كشرط لتمرير برامجها النووية وحصولها على الدعم الفنى من الوكالة والدول النووية المعلنة. وبذلك،لا يعدو البروتوكول الإضافى إلا أن يكون حلقة جديدة فى مسلسل الإجراءات القانونية والسياسية الفنية الدولية الرامية إلى تكريس حالة الاحتكار النووى، ذلك أنه يؤثر عدم المساس بالدول المالكة للأسلحة والقدرات النووية والغير ملتزمة بمعاهدة حظر الانتشار النووى، بينما يصر على الإمعان فى تشديد الخناق على الدول غير النووية الملتزمة بتلك المعاهدة.
نظام بديل:
كان من شأن ذلك القصور فى نظام منع الانتشار النووى ، أن شجع عددا من الخبراء على الدعوة إلى صياغة نظام عالمى جديد فى هذا المضمار يكون أكثر فعالية، معتبرين أن البداية تكمن فى ضرورة إلغاء معاهدة NPTواستبدالها بأخرى أكثر صرامة وموضوعية, مؤكدين أن عملية الضبط والرقابة تحتاج إلى نظام جديد بآليات جديدة يتمتع بقوة الردع التي تكفل عدم التمادي والتجاوز من قبل الدول الكبرى والصغرى فى آن، وحبذا لو تضمن النظام الجديد تنسيقا بين مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية يخول الأخيرة الوصول إلى أي مكان بكل أريحية لإجراء عملية الرقابة والتفتيش للتأكد من عدم وجود خرق، لاسيما وأن المعاهدة الحالية وبنودها الداخلية لا تعطي الأحقية الكافية في عملية التتبع والرقابة، الأمر الذي أدى إلى خرق بنود الاتفاقية من قبل العديد من الدول وفي مقدمتها الدول الموقعة عليها.
ومن واقع ذلك التعثر فى الجهود الدولية الرامية إلى وضع نهاية لمأساة الانتشار النووى، يبدو جليا أن فرص نجاح المجتمع الدولى فى صوغ نظام فاعل فى وسعه إيقاف نزيف انتشار الأسلحة النووية عالميا، يبقى مرتهنا بقدرة الدول الكبرى على بلورة آليات ناجعة تعمل جنبا إلى جنب مع المنظمات والأجهزة الدولية القائمة من أجل تسوية النزاعات والصراعات الدولية، كما يرتبط كذلك بجاهزية القوى النووية الكبرى للتحرر من نزعاتها التمييزية وميولها الاحتكارية، فضلا عن جديتها فى توخى أمن وإستقرار العالم والترفع بذلك المقصد السامى عن أية مآرب شخصية أو مصالح قطرية آنية ضيقة، بما يقود فى نهاية المطاف إلى آلية أكثر نجاعة كصياغة إتفاقية دولية جديدة تتوقف بموجبها جميع الدول عن إنتاج المزيد من المواد القابلة للإنشطاركاليورانيوم والبلوتنيوم،وهى المرحلة الأصعب من إنتاج وتصنيع السلاح النووى . وعسى أن يكون المؤتمر المرتقب لمراجعة معاهدة منع الانتشار النووي فرصة مواتية لتدشين بداية جادة وناجزة على هذا الدرب.