إيديكس.. وتوطين الصناعات العسكرية

السلام لابد له من قوة تحميه.. وفى منطقة تموج بالمتغيرات والأحداث لابد من الحفاظ على تلك القوة وتطويرها.

الرئيس عبدالفتاح السيسي حرص خلال السنوات الأخيرة على تطوير كافة الأسلحة وتحديثها، من أجل الحفاظ على الأمن القومى المصرى معتمدًا على تنوع مصادر السلاح منهجًا، ونقل الخبرات وتطوير الصناعات العسكرية بالتعاون مع الدول الصديقة، والعمل على توطينها أسلوبًا خلال الفترة الحالية، لإعادة الروح مرة أخرى للقلاع الصناعية الكبرى التى استطاعت أن تصنع 3 نماذج من المقاتلة الاعتراضية المصرية «القاهرة 300» كأول مقاتلة أسرع من الصوت خلال الستينيات.

فقد بات امتلاك السلاح أمرًا بالغ الأهمية للدول من أجل أمنها القومي.

استطاعت القلاع الصناعية بوزارة الإنتاج الحربى والهيئة العربية للتصنيع وجهاز الصناعات والخدمات البحرية وجهاز المشروعات خلال السنوات القليلة الماضية أن تقدم نموذجًا لما أنتجته الأيادى المصرية من تطور فى الأسلحة المنتجة لتعود مرة أخرى مصر إلى مضمار صناعة الأسلحة وبقوة.

هنا لابد أن نتوقف عند بعض الرسائل المهمة التى كشف عنها المعرض الدولى للصناعات الدفاعية فى نسخته، الثانية فى ظل تنامى صناعة الأسلحة التقليدية خلال الفترة الأخيرة وعدم تراجعها بسبب فيروس كورونا، وإغلاق العديد من الشركات فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين وتطبيق الإجراءات الاحترازية.

تؤكد إحدى الدراسات حول تأثير الصناعات العسكرية والفضائية فى الاقتصاد الأمريكي، أنها تولد - داخل الولايات المتحدة - قرابة ثلاثة ونصف مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة.

لا يقتصر تأثير الصناعات العسكرية على تلبية الاحتياجات الدفاعية التى تحتاج إليها الدول لدعم استقلالية القرارات الوطنية السياسية والاقتصادية، بل تلعب دورًا محوريًا فى التنمية والنشاط الاقتصادي؛ وتزداد أهميتها إذا أضيفت لها الصناعات الفضائية التى طورتها بعض الدول لضمان التفوق العسكري.

وقد بلغ حجم مبيعات الأسلحة على مستوى العالم 398 مليار دولار عام 2017 بحسب تقرير معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام «سيبري» ليرتفع عام 2018 إلى 420 مليار دولار، كما بلغ 361 مليار دولار عام 2019، وتستقر مبيعات الأسلحة عام 2020، وترتفع الصادرات الأمريكية من الأسلحة إلى 174 مليار دولار لنفس العام، بعدما كانت قد تراجعت عام 2019، لتبلغ 114.7 مليار دولار وتبلغ حجم الضرائب المباشرة التى تحصل عليها الولايات المتحدة من شركات الأسلحة 40 مليار دولار بالإضافة إلى الضرائب غير المباشرة التى تُحصَّل من الشركات التى تقدم المواد الخام والصناعات المغذية.

(1)

تُعد الصناعات العسكرية أحد عناصر قوة الدولة، فما تشهده من تقدم ينعكس إيجابيًا على حجم النمو الاقتصادى للدولة، وقوة الصناعات العسكرية يزيد من قوة الاقتصاد وحجم الصادرات وحجم العملة الأجنبية التى تدخل الخزانة العامة، فى ظل وجود سوق رائجة خاصة فى مجال الأسلحة الدفاعية.

كما أن زيادة حجم الصناعات العسكرية يوفر مزيد من فرص العمل نظرًا لأنها صناعات كثيفة العمالة، فعلى سبيل المثال: شركة لوكهيد مارتن Lockheed Martin الأمريكية يصل عدد العاملين بها إلى 140 ألف عامل، وشركة BAE Systems البريطانية، وهى شركة متعددة الجنسيات يبلغ عدد العاملين بها 89 ألف عامل وتحقق أرباح سنوية بلغت العام الماضى 19.28 مليار دولار.

وتتسابق العديد من دول العالم لزيادة حجم الصناعات العسكرية، الأمر الذى جعل الصين تنافس بقوة فى هذا المضمار لتصبح ثالث دولة على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا فى حجم الصادرات العسكرية.

وقد دخلت مصر مضمار الصناعات العسكرية بقوة، وظهر ذلك جليًا فى حجم القطع والمعدات العسكرية التى تم عرضها فى الجناح المصرى لمعرض إيديكس 2021، بعد أن تصدرت الطائرة المصرية «NUT» الجناح كأول طائرة مصرية بدون طيار لتؤكد حجم ما تمتلكه الصناعة المصرية فى هذا المجال من قدرات.

كما جاءت المدرعة «سيناء 200» والتى تضاهى المدرعة الروسية «BMP»، وظهر الرشاش المصرى المتعدد الذى بلغ مداه 1800 متر، بالإضافة إلى امتلاك مصر أول مركز إقليمى معتمد لعمرة الهليكوبتر (جازيل،MI8 ،MI17 ، KAMOV) بأياد وخبرات مصرية.

كما ظهرت المدرعة ST 500 متعددة المهام، و قذيفة الأعماق «نورس 1» والتى يمكنها إصابة أهداف على عمق 500 متر، والتى تتعامل مع الغواصات، وكذلك ذخيرة مدافع الهاوتزر والتى تُنتَّج لأول مرة فى مصر.

وعرض مجمع الصناعات الهندسية للقوات المسلحة 12مركبة، ويتم تصميم المركبات بمركز التصنيع الهندسى ومراعاة أن تكون طبقًا لأحدث نظم التصميم ومختلفة الأنواع والأحجام لتتناسب مع المهام المكلفة بها القوات المسلحة والشرطة؛ كما عرض المجمع الفرقاطة «جويند» والتى تم تصنيعها بالشراكة مع الجانب الفرنسى وفق اتفاق تعاون فى الترسانة البحرية ب الإسكندرية وفرقاطة الميكو 200 التى انطلق خط انتاجها فى انتظار لحاقها قريبا ب الأسطول البحرى المصرى ولانشات الفيبرجلاس المجهزة بأحدث تكنولوجيا الملاحة البحرية ؛ بأيد وخبرات مصرية بالكامل.

(2)

جاءت النسخة الثانية من المعرض الدولى للأسلحة والصناعات الدفاعية « إيديكس 2021» الذى شهدته القاهرة الأسبوع الماضي، محققة نجاحًا كبيرًا يؤكد على قوة الدولة المصرية، وقدرتها على مواجهة التحديات، ففى الوقت الذى أغلقت جائحة كورونا فيه العالم، واصلت مصر مسيرتها بتخطيط دقيق وقدرات عالية على التنفيذ واحترافية فى العمل، فنجحت فى عقد النسخة الثانية من المعرض الدولى للأسلحة الدفاعية، واستبقته بتدشين المنتدى الأول للقوات الجوية، ليناقش مطوروا أسلحة القوات الجوية «التحديات الناشئة» وليصبح المنتدى منصة دولية للتعرف على أحدث ما تم التوصل إليه فى تكنولوجيا الطيران.

فقد خلقت أحداث 2011 متغيرًا كان لابد من الالتفات إليه جيدًا، وهو ضرورة أن تمتلك مصر قدرات تصنيع عسكرية تسهم فى الحفاظ على أمنها القومى وتوفر احتياجات القوات المسلحة.

وقد استطاع المعرض أن يبعث برسالة للعالم بأن المناخ المصرى حاليًا مناخ جاذب للاستثمار، ووجود بيئة آمنة قادرة على دعم المستثمرين وكافة شركات العالم التى تسعى للتعاون مع مصر والمؤسسات المصرية، ويتضح ذلك من العدد المشارك فى فعاليات المعرض هذا العام.

فقد بلغ عدد العارضين أكثر من 400 عارضًا، يمثلون 42 دولة فى 21 جناحًا، كما شهد عقد العشرات من مذكرات التفاهم واللقاءات والاتفاقيات، وهو ما يزيد من قوة المعرض وينبئ بأن النسخة الثالثة من إيديكس 2023 ستكون أكثر قوة نظرًا للنجاح الكبير الذى حققته النسخة الثانية فى ظل بحث شركات الأسلحة عن شركاء مع النمو المتزايد فى تلك الصناعة.

فبحسب التقرير الذى نُشر تحت عنوان: (صناعة السلاح فى العالم عام 2030 وما بعده)، والصادر عن معهد الدراسات الدفاعية والاستراتيجية التابع لمدرسة «راجاراتنام» للدراسات الدولية فى جامعة نانيانج التكنولوجية بسنغافورة، التطور الكبير فى صناعة الأسلحة خلال الفترة القادمة، وهو ما يدل على حجم الفرص الواعدة للاستثمار فى قطاع الأسلحة الدفاعية.

كما وثَّق التقرير مجموعة من الدراسات والأوراق التى عُرضت فى ورشة عمل شارك فيها باحثون متخصصون من مختلف دول العالم، من أجل تقديم أطروحات مستقبلية مختلفة حول صناعة السلاح فى العالم.

(3)

يُعد المعرض فرصة مهمة للتعرف على أحدث ما توصل إليه العالم فى تكنولوجيا التسليح ونقل الخبرات، وفرصة ذهبية لضباط القوات المسلحة للتعرّف على جديد الترسانة الحربية العالمية.

وقد وقعت الهيئة العربية للتصنيع مذكرة تفاهم مع شركة نورينكو الصينية العالمية لنقل وتوطين التكنولوجيا والتصنيع المشترك فى الصناعات الدفاعية وتدريب الكوادر البشرية وفقًا لأحدث معايير الثورة الصناعية الرابعة، وجاء هذا التعاون فى ضوء خطة الهيئة العربية للتصنيع لتطوير منتجاتها وقدراتها التصنيعية بالاستعانة بأحدث التقنيات العالمية فى مجالات التصنيع المختلفة، بالإضافة إلى صقل خبرات العاملين بها وفقًا للخبرات الحديثة فى المجالات المتعددة.

كما تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم بين مصر وعدد من الدول الأخرى، ويعد المعرض بمثابة أعظم تسويق للسلاح المصرى والقدرات التصنيعية المصرية فى مجال الأسلحة الدفاعية التى تحظى بطلب متزايد من دول العالم.

لقد جاء نجاح النسخة الثانية للمعرض الدولى للصناعات الدفاعية عقب نجاح مصر المبهر فى حفل افتتاح طريق الكباش بمثابة أكبر ترويج لحالة الاستقرار والأمن الذى تنعم بهما مصر والفرص الاستثمارية الواعدة التى تجذب رؤوس الأموال لمزيد من الاستثمار داخل مصر.

إن ما تحقق من نجاح خلال النسخة الثانية لمعرض «EDEX 2021» يُعد بمثابة رسالة قوية تعبر عن مكانة الدولة المصرية وقدرتها على مواصلة مسيرة التقدم من أجل مستقبل أفضل لها وللمنطقة

أضف تعليق