يعد الأديب نجيب محفوظ، من أهم الأدباء في عصره، وحتى الآن، فأسلوبه المتفرد، وعباراته الفريدة، جعلته في الصدارة.
فضلا عن واقعيتها وكأنها من أرض الواقع، فتحكي عن الواقع، وما به من أحداث، فكانت رواياته مقتبسة من الشارع، فكان يحرص طوال الوقت ان يكون متواجدا بالشارع، حاملا لأقلامه وأوراقه، متربصا لأي شخصية جديدة، كان دائم الحرص على الاجتماع مع أصدقائه من الحرافيش يحتسي معهم القهوة فأحداث رواياته كانت واقعية، مقتبسة من الواقع وعلى لسان البسطاء الذي يجلس معهم.
فالأدب دائما ما يعكس ظروف المجتمع ويعبر عن آلام المواطنين والصراع بين الطبقات.
روايات عكست الفقر المدقع بالمجتمعات المصرية:
وهناك كثير من الروايات التى تناولت الإنسان الفقير وذلك من خلال إلقاء الضوء على الظلم الذى يواجهه، أو ما يرتكبه من جرائم نتيجة الفقر المدقع، وكان نجيب محفوظ من أكثر الأدباء حديثا عن الفقر والفقراء.
ملحمة الحرافيش:
فمن ضمن القصص التى جاءت بملحمة الحرافيش، التي نشرت في عام 1977، ولا تزال مادة رائعة للسينما والتليفزيون المصري حيث تمثلت في أكثر من فيلم سينمائي منها الحرافيش والمطارد وشهد الملكة والجوع والتوت والنبوت، فضلا عن مسلسل الحرافيش في أجزائه الثلاثة وتتحدث الرواية عن فلسفة الحكم وتعاقب الحكام ودور الشعوب، فتدور أحداث وتفاصيل وشخصيات رواية الحرافيش، لتزرع أفكاراً عديدة وتصب في فكرة تواتر الاجيال وضياع الأصول من جيل إلى آخر واندساس العروق.
نجيب محفوظ يسلط الضوء على الفقر والفقراء:
فيعتبر محفوظ من أكثر الأدباء الذين لم يتخلوا عن الطبقة المهمشة في أعمالهم، فبينما الفقر كان ينهي حياة هؤلاء، كان
نجيب محفوظ ينتصر لهم في أعمال أدبية بارزة، ورائحة في قلوب الملايين، لأنها كانت تعكس الواقع وتعبر عنه.
رواية بداية ونهاية:
فعلى سبيل المثال، جاءت رواية "بداية ونهاية" عام 1949 وتعتبر من أهم أعمال نجيب محفوظ التي تناولت الحديث وعن الفقر، وكيف يؤثر على الأسرة المصرية.
وتدور أحداثها عن أسرة فقيرة مكونة من الأم وأربع أبناء يعانون من صعوبة الحياة والفقر المدقع، الذي يعانون منه، ويدفع كل منهم إلى اتجاه معين في حياته لتدور أحداثها بين اتجاهات سلكها كل فرد من أفراد الاسرة، فنجد الأخ الأكبر عاطل عن العمل يؤثر حياة الفتوات على أن يبحث عن عملاً شريفًا، بينما الآخرون يحاولان التغلب على فقرهما بشتى الطرق، إلا أن الأخ الأصغر يتذمر دائمًا من حياته الفقيرة البائسة التي جعلت أسرته تبيع أثاث منزلهم ويسكنوا البدروم للتقليل من نفقات الحياة اليومية، وتضطر أختهما الوحيدة نفيسة أن تعمل لتتغلب علي الفقر.
ويضطر حسين أن يتوقف عن استكمال دراسته رغم تفوقه لكي يبحث عن عمل يعين الأسرة في نفقاتها، بينما حسنين لا يتنازل عن مكتسباته ويكمل تعليمه بفضل مساعدة أخيه حسين وأخته سيدة التي تساعده دائمًا بمالها ، ليضيق بهم الحال، فيدفع نفيسة تلك الفتاة التي تتأخر في الزواج بسبب فقرها وقدرها البسيط من الجمال فتقع في شرك أحدهم الذي يرفض الزواج منها لتتحول إلى عاهرة مقابل مبالغ مالية زهيدة، ثم يتخرج حسنين في كلية الشرطة ويبدأ السخط على حياته ويراقب أخطاء أسرته إلى أن تنتهى الأحداث باكتشاف حسنين عمل نفيسة المخل، فتقرر الانتحار لكي لا يخسر وظيفته فتقفز في مياه النيل أمامه.
يكتشف فى تلك اللحظة أن غروره جعله أعمى عن الحقيقة فيقرر الانتحار دون تردد وينهي حياته .
رواية زقاق المدق:
تبدأ أحداثها بين مجموعة من الشخصيات التي تعيش في المدق وتجمعهم العديد من الأماني والآمال.
تتناول الرواية حكاية حميدة الفتاة الجميلة الفقيرة المعدمة التي تحاول الخروج دائرة الفقر، فتوافق على الزواج من السيد علوان صاحب الوكالة وأغنى من في الزقاق وترفض الزواج من عباس الحلو الشاب الذي يعمل حلاقًا متواضعًا لا يريد الخروج من الزقاق، إلا أنها تنجح في إقناعه بالذهاب إلى معسكرات الإنجليز لكي يكسب مالاً كثيرًا وحينئذ سيكون قادرًا على الزواج بها.
كان الزقاق بتركيبته الضيقة يسع عالما صغيرا مليئًا بالشخصيات التي تتنوع في أشكالها وأجناسها وألوانها وأعمارها ومبادئها وقيمها ومعاييرها التي تحكمها، وذلك في إطار الصراع ما بين العديد من المتناقضات، لكن الفقر والعوز والنقص الذي كان يحدد مسارت تلك الشخصيات.
فتخرج حميدة من الزقاق لتعيش الحياة التي تريدها فتصبح عاهرة، وتنتهي حياتها بعد عودتها إليه وكأن الحياة تبدأ من هذا الزقاق المعدم وتنتهي فيه، وكأنه الفقر قدر لا يستطيع الإنسان الفرار منه.