عاطف عبد الغنى يكتب: تمثيلية «التلامذة»!

عاطف عبد الغنى يكتب: تمثيلية «التلامذة»!عاطف عبد الغنى يكتب: تمثيلية «التلامذة»!

*سلايد رئيسى1-12-2017 | 22:40

على مستوى التنظير لم أتحمس كثيرًا للبحث عن وجهة النظر الإسرائيلية فى حادث مسجد الروضة الأخير، لكن المتابعة لوسائل الإعلام الأجنبية حول الحادث ألقت أمام ناظرى مقالا فى صحيفة إسرائيلية شهيرة وبقدر ما أصابنى هذا المقال بالغيظ، لفت نظرى إلى طرح كان غائبًا إلى حد ما عن الذهن.

المقال منشور فى صحيفة «ها آرتس» بعد وقوع الحادث بأيام قليلة، أربعة أيام بالتحديد، وبعد تجاوزات مرصودة من وسائل إعلام غربية أبرزها ما ورد فى صحيفة «جارديان» التى تحمل الجنسية البريطانية اسميًا والقطرية فعليًا، والتى انتقدت تعامل القاهرة مع الهجمات الإرهابية ورأت أن سياسة القبضة الحديدية للرد على هذه الهجمات لا ينجح؟! وموقف الصحيفة التى بات أمرها مفضوحًا فى موقفها العدائى المستمر من مصر، والتى افتقدت فى تغطياتها الصحفية لشئوننا الداخلية والخارجية لكل معايير الموضوعية والمهنية، وشابت ممارساتها الصحفية الأخطاء بشكل متكرر إلى هذه الدرجة، حتى أن الصحيفة اضطرت للاعتذار عن بعض هذه الأخطاء عندما افتضح أمرها، وانتقدتها صحيفة إنجليزية نظيرة هى «الديلى تلجراف» وكشفت من يقف وراء تمويلها.

..ونعود إلى «ها آرتس» ونسأل عما كتبه محللها لشئون الشرق الأوسط «زيفى بارئيل» فى رأى له  لا يستحق أن يصنف فى فئة التحليلات السياسية، بقدر ما أراه أمانى صهيونية، يجب أن نعرفها لنفهم كيف يفكرون فينا.

(1)

بارئيل الإسرائيلى يطلق تحذيرًا: (مصر تتحول إلى أفغانستان.. حيث الحرب الدائمة جزء من الحياة اليومية).

ولا شك أن الكاتب يعبر عن تفكير نخبة إسرائيلية موجودة بالفعل فى مجتمع صنّاع القرار، والمفكرين فى إسرائيل ويحاول (الكاتب المحلل الإسرائيلى) أن يصدّر هذا الفكر للقارئ داخل إسرائيل وخارجها، والمشهد كما صوره نقلنى على الفور – من مجرد قراءة عنوانه – إلى مشهد مصرى شعبوى ساذج إلى حد كبير، وفيه أن إحدى المدارس الأولية فى «ميت غمر» بمحافظة الدقهلية، حشدت تلاميذها فى طابور الصباح ليتابعوا تمثيلية أشرفت عليها إدارة المدرسة وجسدها التلاميذ الصغار يحاكون فيها الحادث الإرهابى الذى وقع فى محيط مسجد الروضة بسيناء.

استلقى التلاميذ على الأرض وملابسهم البيضاء ملطخة بالدماء، متقمصين دور الشهداء، بينما ارتدى الذى يمثل دور الإرهابى ملابس «داعش» السوداء بلون ضمائرهم، ورأيته فى الصور وقد وقف بخسة وندالة تعتلى قدمه جسدًا صغيرًا ممددًا على الأرض.

والواضح الجلى أن نية المسئولين فى المدرسة من التمثيلية أن يظهروا للأولاد فظاعة الحادث لا أكثر، وعندما طالعت الصور التى صنعنا منها خبرًا لفت نظرى أن هناك من التلاميذ من وقف فى جانب الصورة يرفع عددًا من أعلام الدول التى رأى صانعو المشهد أنها وراء الحادث، رفعوا أعلام تركيا، وقطر، وإيران، وإسرائيل.. نقطة ومن أول السطر.

(2)

إسرائيل حاضرة فى المشهد، وليست بعيدة، والمصريون البسطاء قبل النخب، يدركون تمامًا أنها المستفيدة الأولى من الأذى الذى يلحق بمصر، وأن ما فى القلب والعقل والتراث الصهيونى تجاه مصر لن تغيره ألف معاهدة سلام.

(3)

تمثيلية «التلامذة» - على سذاجتها – جاءت بمثابة إضاءة رأيت فيها وعى المصريين يقظًا مدركًا للحقيقة وليس هذا الزيف الذى يحاول مثل هذا الكاتب الإسرائيلى أن يغرقنا فيه، بينما تفضح عباراته أفكاره، ونواياه.

ينطلق الإسرائيلى من النقطة التى روجت لها «جارديان».. القوة العسكرية وحدها لا تكفى، وهذه قولة حق أريد بها باطل كما يقال.. الإرهاب لن يقضى عليه فقط القوة العسكرية هذا نعرفه، لكنهم لم يقولوا لنا هل نسرّح جنود الجيش والأمن المصريين، ونجلس فى بيوتنا ننتظر زيارة «داعش» لتذبحنا وتسبى نساءنا؟!

وإذا كان المحلل الإسرائيلى يمنطق رأيه، ويسبغ عليه مسحة التحليل، فالواضح من منطلقاته التى أسس عليها رأيه النهائى أن فى نفسه شيئًا ما سببه دور القاهرة فى المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التى كانت تراهن عليها إسرائيل لتمرير «صفقة القرن» اليهودية الأمريكية، هذه وأشياء أخرى فى نفس ابن يعقوب (جعل الله كيده فى نحره) هى ما دعته لأن يبشر بأن مصر مهددة بأن تصيبها الحالة الأفغانية، أى الحرب الطائفية الدائمة.

(4)

والتاريخ ليس ببعيد، حتى ننسى هذا الدور الذى كان فيه المركز الأكاديمى الإسرائيلى الكائن فى قلب القاهرة يعمل بدأب ليجمع أكبر قدر من المعلومات عن الأمور الداخلية فى مصر، وفى السنوات الأولى لتطبيق معاهدة السلام نشط المركز فى جمع أدق المعلومات وأصعبها حتى وصل به الأمر إلى جمع مادة معلوماتية بالأساس، عن ثارات العائلات فى الصعيد «الجوانى»، وقد مارس هذا العمل بشكل علمى وتحت يافطة العمل الأكاديمى.

كان باختصار مركزًا للتجسس ضمن مراكز أجنبية كثيرة نشطت فى مصر، فى الماضى القريب واخترقت مجتمعنا، ورصدت بعض المناطق الضعيفة والحساسة فى الجسد المصرى التى يمكن عن طريقها غزو الجسد بفيروسات سامة، وبالتأكيد درست هذه المراكز ضمن ما درست الطوائف، والملل، والنحل والطرق والعادات والتقاليد والخصومات، فى المجتمع المصرى، السُنّة، والشيعة، والسلف والصوفية، والبهائية، وشهود يهوه، والبدو، والفلاحين، وتجولت فى الموالد، ورقصت فى الحضرات، وأكلت على موائد الفقراء (نذكركم بسلوك السفير الأمريكى الأسبق فى مصر فرانسيس ريتشاردوني).

كنا بالنسبة لهم كتابًا مفتوحًا، وصحيح ليس هناك الكثير الذى يمكن أن نخفيه وبالذات فى المظاهر المجتمعية، لكن فقط نحن نذكّر أن هناك من حصل على المعلومة واهتم ودرس وخزّن النتائج والسيناريوهات، واليوم يبشرنا أننا سوف ندخل فى صراع أفغانى.

ودعنى أطمئنك عزيزى قارئ هذه الكلمات، هذا لن يحدث فى مصر، أولا لأن الطائفية ليست من سمات المجتمع المصرى، ومهما نفخ الشياطين من الإنس والجن بأفواههم أو عبر أذرعهم وجواسيسهم فى الداخل لإشعال النيران، فالمدنيون المصريون قبل الجيش والشرطة هم الذين سيمنعون اشتعال أى حريق كبر أو صغر: ودليلى على ذلك: فشل كل المحاولات فى هذا الاتجاه بين المسلمين والأقباط رغم المحاولات المستميتة، وبعقلك هل ينفع هذا بين المسلمين والمسلمين؟!

هناك هذا المخزون الحضارى المصرى، الذى صنع الوعي الجمعى، وأنصح المحلل الإسرائيلى أن يأتى إلى القاهرة أو يذهب إلى الريف والصعيد الجوانى ويستطلع وجهة نظره بين من سيقابلهم فى الشارع أو الحارات والغيطان، وفى أى مكان يرغب وسوف تدهشه ردود المصريين، وإذا فعل ذلك أنصحه ألا يفصح عن هويته الإسرائيلية حتى لا يفعل معه المصريون «الصح».

    أضف تعليق

    خلخلة الشعوب و تفكيك الدول

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2