بينما نودع أيام الخريف الأخيرة حاملة معها نسمات برد الشتاء المقبل، ومع تساقط الأوراق تساقطت معها أكاذيب أبواق إعلام الإرهابية وأدواتها فى تزييف الوعي.
فى صباح الجمعة قبل الماضية جاءنى اتصال هاتفى من صديق لي؛ وبمجرد الرد عليه، وقبل أن يرد التحية وجدته يقول: هل شاهدت تسريب الأمس؟
قلت له أى تسريب؟!
رد قائلًا ألم تشاهد أو تسمع ما أذاعه «عبدالله الشريف» أمس؟!
ليبدأ صديقى سرد ما سمعه؛ ثم أنهى حديثه.. كيف يحدث ذلك؟
قلت هل تصدق ذلك؟!
رد قائلًا: أنا لا أصدق هؤلاء الكاذبين.. ولكنى سمعت المكالمة التى أذاعها.
قلت له: فى الحقيقة لم أسمع ذلك التسريب المزعوم لكن بحسب روايتك لي، دعنى أيضًا أوضح لك بعض النقاط التى قد تبين حقيقة ما يحدث، فلم يأت ما زعمه ذلك الشخص غير الشريف صدفة، ولم يتم اختيار التوقيت عبثًا ولكن ما حدث ترتيب متقن، والهدف واضح.
لنقف معًا يا صديقى عند بعض النقاط:
لم تمر سوى ساعات قليلة عملت خلالها الكتائب الإلكترونية للإرهابية لنشر ما زعموا أنه حقيقة لتشويه صورة مؤسسات الدولة المصرية، فظهرت فيديوهات أخرى حول حجم الحراك الذى أحدثه التسريب المزعوم.
ولأن كتائب السوشيال ميديا لدى التنظيم الإرهابى تحترف تلك الأعمال حاولت إحداث حالة من الصخب حول ما قدمه عبدالله الشريف، للتأثير على ثقة المواطن فى الدولة المصرية.
(1)
أولًا: جاء التسريب مساء الخميس قبل الماضى ومع استعداد مصر لاستضافة الدورة التاسعة لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأُمم المُتحدة لمُكافحة الفساد بحضور 3000 خبير و25 وزيرًا وخمسة رؤساء.
كما أن مصر تقدمت مركزين فى التقرير السنوى الذى تصدره منظمة الشفافية الدولية الخاص بمؤشر الفساد العالمى لعام 2020، حيث أصبح تقييمها 33 نقطة، وذلك بعد أن احتلت مصر المركز الـ117 من أصل 180 دولة.
كما نجحت هيئة الرقابة الإدارية فى تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وفق منظومة عمل مُحكمة تستهدف الحفاظ على المال العام.
لم يكن هدف الاستراتيجية الوطنية فقط ضبط كل من تسول له نفسه الاعتداء على المال العام أو استغلال النفوذ، بل انتهجت أيضًا منهجًا استهدف تحقيق الوقاية وتدريب الكوادر للحفاظ على مقدرات الوطن، فأنشأت الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد.
كان الهدف تشويه صورة الدولة المصرية، لكن من وضع خطة ذلك التسريب المزيف لم يدرك قوة وقدرة أجهزة المعلومات فى مصر وما وصلت إليه من احترافية فى كشف ومواجهة مخططات الجماعة الإرهابية، وتقديم الحقيقة للرأى العام.
وبعد عدة ساعات كان رجال الأمن الوطنى قد ألقوا القبض على أصحاب التسريب المفبرك، وقدمت اعترافاتهم مصورة: الأول يُدعى- حنفى عبدالرازق السيد محمـد («61» عامًا – عاطل – يقيم بمحافظة القاهرة – مسجل خطر جرائم نصب وسبق اتهامه والحكم عليه فى عدد «٢٢» قضية متنوعة «نصب، قتل خطأ، تنقيب عن آثار») .. والثانية تُدعى - ميرفت محمد على أحمد البدوى (52 عامًا – حاصلة على ليسانس حقوق – تقيم بمحافظة الإسكندرية).
بل واستطعنا فى بوابة دار المعارف أن نحصل على شهادة وفاة اللواء فاروق القاضى الذى توفى قبل عام ونصف وبالتحديد يوم 23 يوليو 2020.
ليوجه جهاز الأمن الوطنى ضربة قوية لتنظيم الإخوان الإرهابى وأبواقه الإعلامية، وأجهزة الاستخبارات المعاونة للتنظيم الإرهابي.
ثانيًا: استهدفت الجماعة الإرهابية من التسريب المفبرك إفقاد المواطن ورجال الأعمال الثقة فى مؤسسات الدولة، وخاصة مؤسسة مثل صندوق تحيا مصر الذى قدم خلال سبع سنوات قصص نجاح كبيرة فى دعم المشروعات القومية والمبادرات الرئاسية.
وبعد أن استطاع الصندوق دخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية ونجاحه من خلال ستة برامج شملت الرعاية الصحية وكان فى مقدمتها علاج فيروس «سي» وتطوير التعليم والتنمية العمرانية والدعم الاجتماعى والتمكين الاقتصادى ومواجهة الكوارث والأزمات، بالإضافة إلى المشاركة فى إعادة إعمار غزة.
لذا كان الصندوق هدفًا لإعلام الإرهابية من أجل تشويه الصورة الحقيقية للدور الذى يقوم به الصندوق وما حققه من نجاحات خلال الأعوام السبعة الماضية.
(2)
لم يكن نجاح جهاز الأمن الوطنى فى إجهاض مخطط إعلام الإرهابية ومعاونيهم مصادفة، إنما جاء نتاج عمل متواصل واحترافية لدى رجاله وقدرات معلوماتية ومتابعة دقيقة ويقظة وتحليل سريع للمعلومات والاستفادة من الأنظمة التكنولوجية الحديثة فى كشف وتتبع الجريمة من أجل حماية الوطن والمواطن.
لقد عمل أبطال الأمن الوطنى فى صمت لتظن عناصر إعلام الإرهابية ومعاونيهم أنهم استطاعوا التأثير على الرأى العام المصرى فى توقيت دقيق.. لتأتى الضربة القوية للمخطط الإرهابى بكشف زيفهم.
لقد استهدفت أبواق الإرهاب الإعلامية زعزعة الثقة فى الدولة المصرية فانقلب السحر على الساحر، وزادت ثقة المواطن فى دولته.
إنهم إخوان كاذبون لا يحترفون سوى الكذب ولا يؤمنون بالأوطان .. إنما يؤمنون بأمر واحد - هدم الأوطان - ذلك هو منهجهم ولا شيء سواه.
فى الوقت ذاته تنجح مصر فى مواصلة العمل والبناء وكسب ثقة العالم ومؤسساته الدولية، فعلى مدى أسبوع واصل حضور المؤتمر التاسع للدول الأطراف فى اتفاقية الأُمم المُتحدة لمُكافحة الفساد، بحث العديد من الملفات والقضايا والتشريعات لمواجهة الفساد فى كافة دول العالم ليصبح هو الحدث الأكبر فى مجال منع ومُكافحة الفساد على مستوى العالم.
وفى الوقت الذى يواجه فيه العالم جائحة كورونا ومتحور «أوميكرون» تنجح مصر خلال الأسابيع الأخيرة فى مواصلة إبهار العالم، فمن احتفالية طريق الكباش، ثم معرض «إيديكس» للصناعات الدفاعية 2021، إلى المنتدى العالمى للتعليم العالى والبحث العالمى وتواصل مصر مشروعها الوطنى بنجاح.
ويحتل البحث العلمى مكانة متقدمة فى استراتيجيتها الوطنية.
(3)
لقد جاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى جامعة كفر الشيخ الأسبوع الماضى تأكيدًا على اهتمام الدولة المصرية بالتعليم العالى والبحث العلمى وفق استراتيجية استهدفت بناء الإنسان ورؤية متكاملة ظهرت نتائجها من خلال تعامل الدولة مع جائحة كورونا ونجاحها فى تحويل المحنة إلى منحة، ولم يكن ذلك أيضًا على سبيل الصدفة أو من فراغ، لكنه كان من منطلق رؤية علمية واحترافية فى التنفيذ ومهنية عالية، جعل الدولة تعبر تلك المحنة العالمية بل وتحولها إلى منحة بعد أن زاد حجم الصادرات المصرية للخارج، واستطاعت أن توفر اللقاحات لمواطنيها؛ بل وواصلت المراكز البحثية عملها لمواجهة الجائحة فبلغ نصيب مصر من الأبحاث العالمية خلال عام 2020 أكثر من 31 ألف بحث علمى نشر فى دوريات دولية مُحكمة.
ونجح فريق الباحثين المصريين فى عزل كافة متحورات كورونا حتى «متحور دلتا»، مع تكثيف الجهود البحثية لعزل «متحور أوميكرون» بهدف تحقيق أعلى مستوى من الفاعلية فى اللقاح الجديد لمواجهة متحورات الفيروس.
وقد بدأت مراحل تصنيع اللقاح «Egyvax» وفق متطلبات التصنيع الجيد للقاحات البشرية المعتمدة لدى منظمة الصحة العالمية ووكالة الدواء والغذاء الأمريكية.
وجاء لقاء الرئيس مع طلاب كلية الذكاء الاصطناعى والحوار الذى دار بين الرئيس والطلاب معبرًا عن المرحلة المهمة التى تدخلها مصر فى ظل الثورة الصناعية الجديدة ومدى حرص القيادة السياسية والحكومة على الارتقاء بمستوى التعليم الجامعى ومخرجاته ليتوافق مع متطلبات سوق العمل الجديدة عقب اختفاء آلاف الوظائف خلال الفترة القادمة وظهور وظائف جديدة تحتاج قدرات وكفاءات علمية على أعلى مستوى وهو ما أكد عليه الرئيس من رعاية الدولة للمتفوقين والنابغين من شباب الباحثين وطلاب الجامعة.
إن ما تم إضافته من جامعات وكليات نوعية خلال الفترة الماضية وما تواصله الدولة من تطوير وتحديث ودعم متواصل للبحث العلمي، يستهدف الاستفادة من القدرات البشرية التى تمتلكها مصر وهى أحد مواردها الغنية، فى ظل مشروع طموح لتطوير التعليم ما قبل الجامعى والتعليم الجامعي، تصبح مخرجاته قادرة على الابتكار والتطوير ومواكبة التكنولوجيا الحديثة ودخول الثورة الصناعية الرابعة والخامسة والتأثير فيها.
إننا نمتلك عقليات نابغة وإرادة سياسية قوية تحرص على تبنِّى المتميزين والنوابغ ليشكلوا نواة حقيقية لصناعة مستقبل أفضل لهذا الوطن.. فبالعلم تُبنى الأمم.