صرح الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، بأن الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية بامتياز، يتأتى ذلك من جوانب عدة، منها كونها جاءت رحمة للعالمين، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى مخاطبا نبينا صلى الله عليه وسلم: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"، وكونها رسالة للناس كافة.
ويقول الحق سبحانه: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا"، وكونها عنيت بالإنسان كإنسان بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو لغته، حيث يقول الحق سبحانه : "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ"، فقد كرم الله عز وجل الإنسان على إطلاق إنسانيته، وحرم قتل النفس، كل نفس وأى نفس، وعصم كل الدماء ، فقال الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: "أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِى الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ"، ويخاطب نبينا صلى الله عليه وسلم الناس جميعًا فى حجة الوداع بقولته الشهيرة: "أيها الناس: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، فى شَهْرِكُمْ هذا، فى بَلَدِكُمْ هذا، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ".
وأوضح، أنه تتجلى الأبعاد الإنسانية فى شريعتنا الغراء أوضح تجلٍّ فى سيرة نبينا محمد وهديه (صلى الله عليه وسلم) فى معاملته لأصحابه وأزواجه وأحفاده والناس أجمعين ، فكان (صلى الله عليه وسلم) يقول عن سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه : "إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَى فِى صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ"، وفى رواية أنه (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِى إِلَيكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذبْتَ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِى بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِى صَاحِبِى"، وكان يقول عن سيدنا سلمان الفارسى: "سلمان منا آل البيت"، وكان خير الناس لأهله وهو القائل عن أم المؤمنين السيدة خديجة (رضى الله عنها): "آمَنَتْ بِى إِذْ كَفَرَ بِى النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِى إِذْ كَذَّبَنِى النَّاسُ، وَوَاسَتْنِى بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِى النَّاسُ، وَرَزَقَنِى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِى أَوْلَادَ النِّسَاءِ".
وتابع: كما تتجلى الأبعاد الإنسانية فى هديه (صلى الله عليه وسلم) فى رحمته بأحفاده ، فعن أبى بكرة قال: رأيت النبى (صلى الله عليه وسلم) على المنبر والحسن بن على معه ، وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول: إن ابنى هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، ولما رآه الأقرع بن حابس يقبل الحسن والحسين ، قَالَ : إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ قَالَ: "مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ" وفى رواية: "أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ".
وكان (صلى الله عليه وسلم) أرحم الناس بالناس وبخاصة الأطفال والضعفاء حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : "إِنِّى لَأَقُومُ فِى الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِى صَلاَتِى كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "من صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة".
كما تتجلى الإنسانية فى أسمى معانيها فى معاملته (صلى الله عليه وسلم) للخدم ، حيث يقول سيدنا أنس بن مالك (رضى الله عنه) :خدمتُ رسول الله (صلى الله عليه) وسلم عشر سنين، فما قال لى قط: أف، ولا قال لشيء فعلتُه: لِمَ فعلتَه؟ ولا لشيءٍ لم أفعله: ألا فعلتَ كذا ؟"، وحيث يوصى (صلى الله عليه وسلم) بهم ، فيقول : " إخوانُكم خَوَلُكُم، جَعَلَهُم اللهُ تحت أيديِكم، فمن كان أخوه تحت يده، فلْيُطْعِمه مما يأكلُ، ولْيَلْبِسُه مما يَلْبَسُ، ولا تكلُفُوهم ما يَغْلِبُهم، فإنْ كَلَفْتُمُوهم فَأَعِيْنُوهُم".