أم السينما التي لم تنجب أبدًا

يبدو أن المقولة الشهيرة التي تقول «فاقد الشيء لا يعطيه» لا تنطبق فى بعض الحالات، ومن عجائب القدر أن تعيش واحدة من أشهر من قدمن أدوار الأم فى السينما بدون بنت ولا ولد، فهي لم تعرف أبدًا طعم الأمومة فى الواقع رغم أنها قدمت دور الأم بمنتهى الصدق والإحساس فى عشرات الأفلام، ورغم محاصرة السرطان لها، إلا أنها كانت قوية الإرادة والعزيمة وتغلبت على المرض وتفوقت فى عملها وبرعت فى تقديم دور الأم فى سن صغيرة.

إنها الفنانة الراحلة فردوس محمد، ولدت فى الثالث عشر من يوليو لعام 1906، كانت بداياتها الفنية فى المسرح، حيث عملت مع العديد من الفرق منها فرقة «فوزي منيب» الفكاهية، وعاشت يتيمة الأبوين وتولت أسرة والدتها تربيتها وإعدادها للمستقبل فألحقتها بمدرسة إنجليزية تعلمت من خلالها القراءة والكتابة والتدبير المنزلى.

ظهر فيما بعد موهبتها بالتمثيل، الأمر الذي جعلها تنضم إلى فرقة «عبد العزيز خليل» وقدمت معها العديد من العروض الناجحة ومنها مسرحية «إحسان بك».

تزوجت مرتين، ولم يستمر زواجها الأول طويلاً لأنها كانت صغيرة جدًا فى السن ولم تكن تعرف معنى تحمل المسئولية.

أما زواجها الثاني، فكان له قصة طريفة حيث تم الزواج أثناء عملها فى إحدى المسرحيات، التي كانت تستلزم السفر إلى سوريا لعرضها هناك، لكن القوانين فى مصر وقتها لم تكن تسمح بسفر الفنانات غير المتزوجات، ووقعت الفرقة فى ورطة لأن الفنانة الراحلة كانت تقوم بدور رئيسي فى المسرحية، ولا يمكن إلغاؤه أو استبدالها بأخرى متزوجة، فقرر المخرج «فوزي منيب» زواجها من أحد أعضاء الفرقة «محمد إدريس» زواجا صوريًا، ووافقت على الاقتراح وسافر الاثنان مع فريق العمل، وهناك فوجئت بإدريس يصارحها بحبه لها ويطلب منها تحويل الزواج فعليًا، ودامت حياتهما الزوجية حتى توفاه الله.

لم تعرف الأمومة بسبب مرضها بالسرطان رغم أنها صارت من أهم الأمهات فى السينما المصرية، وأغلب أدوارها اعتمدت على قوة الشخصية وعدم الاستسلام، تمتعت بالأناقة والشياكة وكثيرا ما كانت تظهر بفساتين «سواريه»، قبل أن تنحصر أدوارها فى ثوب الأم حتى أطلقوا عليها لقب «أم السينما».

رشحها المخرج «محمد كريم» لأول دور لها فى فيلم «دموع الحب» عام 1935 مع محمد عبد الوهاب، وكانت فى الثامنة والعشرين من عمرها فحاولت أن تثبت للجميع أنها ممثلة جيدة ولديها القدرة على القيام بدور الأم فى سن صغيرة، وأثناء كواليس الفيلم سافر فريق العمل إلى باريس لتصوير بعض اللقطات هناك، وكان الجميع يتعامل معها باعتبارها «ماما فردوس» فكانت المسئولة عن ترتيب إقامتهم وهي الوحيدة المسئولة يوميًا عن إعداد وجبات الغداء لهم.

رحلت عن عالمنا فى 22سبتمبر عام 1962، عن عمر يناهز الـ56 عامًا.