عاطف عبد الغنى يكتب: إذا كان «القدس» مرضًا.. (!!)

عاطف عبد الغنى يكتب: إذا كان «القدس» مرضًا.. (!!)عاطف عبد الغنى يكتب: إذا كان «القدس» مرضًا.. (!!)

*سلايد رئيسى8-12-2017 | 16:53

جعلوا من القدس مرضًا نفسيًا.. أجزم أن التسمية جاءت من إسرائيل أو من الغرب فى احتمال أقل.. وتم تصدير المصطلح Jerusalem Syndrome وترجمتها «متلازمة القدس»، وقالوا إنها ظاهرة موجودة منذ 200 عام (لماذا قرنان من الزمان فقط؟!)، لكنهم يقولون ونحن ننقل عنهم إن الظاهرة آخذة بالازدياد.

(1)

حكايات كثيرة نحكى منها حكاية هذا السائح الأوروبى الذى يدور عمره حول الثلاثين، ولا ينسى سكان حارة المسلمين بالبلدة القديمة للقدس ذلك اليوم الذى رأوا فيه هذا الشاب يسير فى الأزقة ويعلن عن نفسه بصوت عال إنه المسيح، وأن معركة آخر الزمان وشيكة الوقوع، وسيقتل فيها الشياطين التى تسكن داخل أجساد البشر وخارجها، وأخذ الرجل يجوب الطرق معلنًا ذلك، وفى غضون دقائق جاءت الشرطة الإسرائيلية واعتقلته، وتم عرضه فى النهاية على كبار الأخصائيين النفسيين (فى إسرائيل طبعًا).

حكاية أخرى تشير إلى سائح بريطانى أصغر فى العمر من السائح الأول، وهو فى العشرين من عمره، ودخل إلى «كنيسة القبر المقدس» التى يقال – حسب الاعتقاد المسيحى – إنها المكان الذى صُلب ودفن فيه المسيح قبل اختفائه، وبدأ الشاب يلوح بخنجر فى يده ليخوض معركة ضد قوى الظلام التى ترافق يأجوج ومأجوج، وبحسب المعتقد المسيحى والتى من المفترض أن يليها خلاص العالم.. كان الشاب مقتنعًا بأنه مرسل من الرب ليحارب الشيطان فى هذه البقعة، ويُقتل هو فى النهاية كى يستمر السيناريو المطلوب الذى سوف ينتهى بخلاص العالم.

وانتهت قصة هذا الشاب بأن أطلق عليه رجال الأمن فى المكان نيران أسلحتهم فأصابوه، لكن إسرائيل عالجته قبل أن تعيده إلى بلاده (!!)

وبالطبع أنا لم أذهب إلى القدس، ولم أسمع القصص من شهود عيان، ولكن عرفتها، بعد أن عرفت لأول مرة عن مرض «متلازمة القدس» من جريدة إسرائيلية وقالت عنه هذه الجريدة أنها حقيقة لا مراء فيها.. وأضافت أن القدس هى المدينة الوحيدة فى العالم التى يرتبط بها هذا المرض النفسى الخاص، حسب زعمها.

أما قصتى المريضين فقد جاءتا فى تقرير منشور بصحيفة عربية، علقت على القصتين شارحة أن «متلازمة القدس» هى ظاهرة تتكرر باستمرار فى المدينة المقدسة، وتفسيرها يشير إلى أنها اضطراب نفسى متعلق بزيارة المدينة حين يقتنع زائرها – غالبًا ما يكون سائحًا أو حاجًا للقدس – بأنه يمتلك قدرات إلهية أو نبوية خاصة بالمسيح، أو أنه مرسل من الله لأداء مهمة أو أنه تجسيد لإحدى الشخصيات المذكورة فى الكتب المقدسة.

(2)

ولاحظت أيضا أن الحكايات كلها فى هذا الصدد – أبطالها مسيحيون – لماذا؟!.. لماذا لم نصادف حكاية عن شخص مسلم أصيب بالمتلازمة أو آخر يهودى؟!

الإجابة لأن مصدرى الحكايات يريدونها مسيحية حتى يستقر فى ذهنية المتلقى الغربى أن الارتباط الوجدانى بكنيسة القيامة أو الأماكن المسيحية المقدسة الأخرى فى المدينة هو نوع من الجنون يصل بصاحبه إلى أن يطلب نهاية العالم، أو خرابه، كما سيفسر الغربيون الذين لا يؤمنون بمثل هذه الحكايات.

وبالطبع هناك مجانين تجاوز جنونهم كل الحدود أما حكاياتهم فهى محجوبة أو ممنوعة إعلاميا، لذلك لن تصادف حكايات مئات وآلاف المجانين من اليهود الأرثوذكس المقتنعون بأن المعبد الذى بناه نبى الله سليمان (سلام لله عليه) لعبادة الإله الواحد الأحد، قبل أن تنحرف العقيدة ويأتى المسيح عيسى سلام الله عليه ليصححها، هذا المعبد الذى هدم وسوى بالأرض سنة 70 ميلاديا، يعتقد المتطرفون اليهود أنه بالضرورة موجود أسفل الأقصى الحالى، وأنه لا بد من إزالة مسجد المسلمين لإقامة معبدهم فى نفس المكان.. ولماذا لا يكون المعبد المستحدث مجاورا أو أبعد قليلًا؟! لأن جنونهم مقدس، وهذا المقدس صور لهم أنه بعد هدم الأقصى الإسلامى وبناء المعبد اليهودى سوف ينزل من السماء قائدهم الحربى «المسيح المخلّص» الذى سوف ينتصر لهم من العالم المسيحى قبل المسلم، وينتقم من الشعوب التى أذلتهم على طول الزمان، فهل نسمى هذا الإحساس المرضى بالذل والمهانة لدى الصهاينة بـ «متلازمة الصهاينة»؟! وأن هذه المتلازمة التى جعلت من العراق ومصر عدوين لدودين باقيين على حالهما هذا منذ الزمن الذى جمع فيها عزرا التوراة قبل ما يقرب من 4 قرون من الزمان، وحتى اليوم، ولم يتخلص هؤلاء المجانين من عقدتهم، بل يورثونها جيلا لجيل حتى نجحوا فى أن يقنعوا أمريكا بتدمير العراق، أما مصر فمحفوظة بعناية الله، ومشيئته لغاية ورسالة.

(3)

والأصولية اليهودية أخطر على العالم ألف مرة من الأصولية التى تم نسبتها للإسلام فى الغرب وخلطوها عمدا بعقيدة المسلم و تم شيطنتها وشيطنة صاحب المعتقد ليوم مثل الأربعاء الماضى، وبينما يسكت العالم عن مجانين لا يخدعون البشر فقط، بل يخدعون إلههم ذاته على طول تاريخهم وعرضه، أو كما يفضحههم مفكرهم اليهودى «إسرائيل شاحاك» الذى عرى جنون كراهية الآخر المصابة به اليهودية التلمودية.

هذه هى الصهيونية العلمانية التى خالفت أوامر الرب اليهودى، وأقامت بيد الإنسان دولة لليهود، ولم تنتظر الخلاص من السماء، وطائفة الحاسيديم الفرع التصوفى فى اليهودية كانت ترفض أفعال اليهود العلمانيين، لكن مساحة الرفض تقلصت مع الأيام وقبل الحاسيديم ما كانوا يرفضونه حسب عقيدتهم، بل صاروا يشجعونه، ويدعمون إسرائيل للنهاية.. أليس هذا جنونًا؟!

(4)

ويأتى إعلان ترامب نبى اليهود الجديد لينقلهم إلى خطوة يتنبأ أن نهايتهم كامنة فيها، وسوف يرفعون ترامب لمصاف القديسين هو وزوج ابنته اليهودى «كوشنر»، وقد سبق لهم أن قدسوا ملك فارس الوثنى قورش وجعلوه مسيحا، لأنه سمح لهم بالعودة من العراق إلى فلسطين فى القرن السادس قبل الميلاد.. يحدث هذا بينما يخرج من بيننا من يغتال صلاح الدين ويهيل على سيرته التراب، لأنه الرمز التاريخى الذى انتزع القدس من براثن الصليبيين، وصار المخرف نجمًا وهذه حكاية أخرى يمكن أن ندرجها ضمن حكايات المجانين الذى يستعجلون خراب العالم ويدفعون أتباع الديانات الثلاثة الإبراهيمية للصدام الكبير (!!)

وفى انتظار صلاح الدين يخرج من معسكر المسلمين لتحرير القدس، فقد قررت أن أذهب إلى ترامب أو نتنياهو لأطلب غنماتى المأسورة تحت نير الاحتلال الصهيونى، وإذا سألنى واحد منهما عن القدس أو الأقصى، فسوف أجاوبه: (للبيت رب يحميه).

أضف تعليق

خلخلة الشعوب و تفكيك الدول

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2