لم تخطئ الحكمة الشعبية حين قالت: "حبيبك يبلع لك الزلط.. وعدوك يتمنى لك الغلط"، ولم تغلط الدولة المصرية، عندما توجهت إلى "السجون" لتطويرها – و السجون هى الوعاء العقابى الأبرز فى منظومة العدالة – وقد أنجزت الدولة فى هذا الصدد ما يعكس جديتها واهتمامها الحقيقى والكبير فى المضى على طريق تحويل الاستراتيجية الوطنية الجديدة لحقوق الإنسان، من مجرد توصيات إلى واقع، وفى شهر نوفمبر الماضى، اطلعت على تقرير نشرته جريدة "التايمز" اللندنية وكان عنوانه:
"State-of-the-art prison near Cairo ‘puts Egyptian housing to shame"، وترجمه موقع تابع للإخوان كالآتى: مجمع السجون الجديد فى مصر أفضل من سكن المصريين، واتخذه الإخوان نموذجًا ودليلاً لمهاجمة إنجاز قبل أن يكون مثار فخر للدولة المصرية، فهو عمل إنسانى، يحفظ للناس كرامتهم، وحقا من حقوقهم، وهو عمل مأجور لمنجزيه، والقائمين عليه، من الله.
وتقرير التايمز للأسف ممهور باسم شخص مصرى لا أعرفه، ولا أظن أن الوسط الصحفى يعرفه، ويدعى: مجدى سمعان، والتقرير الضعيف مهنيًا، بشكل مزرٍ، أبعد ما يكون عن الموضوعية، بادى التخبط، يصدق عليه الحكمة الشعبية المصرية التى أوردناها فى بداية المقال، ولم أكن لأذكر ما ذكرت إلا للتنبيه أن الخصومة مازالت قائمة، مع الإخوان، ومن يساندهم من وسائل الإعلام فى الغرب.
(2)
ونحن عموم المصريين لم نعرف شيئا عن أحوال السجون إلا من خلال الدراما، وما نشاهده فى الأفلام، والصورة الاختزالية التى رسختها هذه الأفلام عن السجون، فى الماضى، صورة سلبية بامتياز، ولو أنها كانت تعكس فى الحقيقة جانبًا عن هذا المجتمع المغلق على نزلائه، الذين يراهم المجتمع والسجانون أشبه بوحوش تم جمعهم فى حيز مكانى فصاروا يفترسون بعضهم البعض، ويعذّبهم السجان لا يفرق بين مجرم عاتٍ فى الإجرام، وشخص أوقعته التعاسة فى جُرم (يقضى عقوبة مقررة عنه، ويكفر عن ذنبه فى الدنيا)، ومسجون فى قتل عمد، وآخر فى قتل خطأ، ولص محترف، وغارم منعته الأحوال من تسديد دينه.
(3)
ويشير التقرير الصادر منذ أيام قليلة، عن المركز الحقوقى "مؤسسة ملتقى الحوار والتنمية"، إلى الماضى غير البعيد الذى أشرنا إليه، وكانت تعانى فيه السجون المصرية من خلل فى ظروفالاحتجاز؛ واكتظاظ السجون والعنابر والزنازين بعدد كبير من السجناء، فى غرفة واحدة دون تنظيم؛ وهو ما كان يؤثر سلبًا على الظروف الصحية البدنية والعقلية للسجناء.
ويكشف التقرير بُعدًا آخر حين يذكر أن ظروف السجون المكتظة كانت أرضًا خصبة لتجنيد الجماعات المتشددة على الطيف الإسلاموي الجهادي، حيث يضطر السجناء فى كثير من الأحيان إلى مشاركة أماكن سجنهم مع مؤيدي تنظيم الدولة الإسلامية وأعضاء الجماعات الإسلامية المتشددة الأخرى، مما يجعل الأمر سهلاً لمثل هذه الجماعات لتعزيز إيديولوجيتها الراديكالية.
(4)
وفى إجابة عن سؤال: كيف ارتقت الدولة المصرية بمنظومة السجون؟ يجيب ذات التقرير بالقول إنه منذ الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية الجديدة لحقوق الإنسان، تشهد مصر تطويرًاوتعزيزًا لحقوق الإنسان فى كل المجالات والقطاعات، وعلى رأسها قطاع السجون المصرية، حيث شهدت مصر افتتاح العديد من السجون الجديدة المطورة على الطراز الأمريكي، وتهدف السجونالجديدة إلى توفير معايشة كريمة، ورعاية طبية وإنسانية محترمة، وتوفير معاملة إنسانية وآدمية للنزلاء، وتغيير مسمى مصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية إلى "قطاع الحماية المجتمعية"، وتغير اسم "سجين" إلى "نزيل".
ومن الإيجابيات التي تصب فى صالح النزيل.
هل ترى فيما سبق غلطًا أو عيبًا؟! أعداء الوطن والإنسانية حولوه إلى عيب، وما ذكرت هذا إلا للتأكيد على أن الخصومة لم تنته، وأصحاب المؤامرة مازالوا يكيدون لهذا الوطن.