تسهم الاضطرابات في كازاخستان، العضو في منظمة الدول المنتجة للنفط "أوبك"، في ارتفاع أسعار الذهب الأسود، إذ يخشى المستثمرون احتمال انقطاع الإمدادات، لكن سوق اليورانيوم تبدو مستقرة ومأمنةعن الأحداث حتى الآن، رغم أن البلاد هي ثاني منتج لهذه المادة في العالم.
ووفقا لـ"الفرنسية" تمتلك كازاخستان، تاسع أكبر دولة في العالم، بالمنجنيز والحديد والكروم والفحم.
كما تملك ثاني أكبر موارد مكتشفة لليورانيوم في العالم، بحسب تقرير "سيكلوب" السنوي حول المواد الأولية. تزود كازاخستان المحطات النووية الفرنسية ب اليورانيوم وتؤمن 40 في المائة من الإنتاج العالمي، بحسب بيانات الشركة الاستشارية "سي آر يوم كونسالتينج" الاستشارية.
ويرى المحلل توكتار تورباي لدى هذه الشركة أن الأزمة الحالية "قد تسبب إزعاجا طفيفا" لكن ليس أزمة حقيقية، إذ إن الصين كدست ما يكفي من اليورانيوم لتلبية حاجاتها في حال حصول اضطرابات على المدى القصير.
ويوضح تورباي أن "مناجم اليورانيوم تقع في مناطق نائية في إقليم تركستان، الذي لا يزال بمنأى عن التظاهرات والمواجهات الدائرة في البلاد".
ويشير المحلل نفسه إلى أن "أكثر من نصف صادرات اليورانيوم الكازاخستاني مخصصة للصين"، موضحا أنه "قد تكون هناك عقبات لوجستية في تسليم المنتجات على الحدود، لأن الطرق الرئيسة تمر في منطقة الماتي"، حيث تدور المواجهات الرئيسة.
ويؤكد بيارن شيلدروب المحلل لدى الشركة المالية "سيب"، أن "أعمال الشغب تمثل بوضوح خطرا على إمداد السوق العالمية بالنفط".
وخلال الأسبوع، ارتفعت أسعار الخام نحو 5 في المائة والجمعة تجاوز خام برنت عتبة 83 دولارا للبرميل الواحد، مسجلا بذلك أعلى مستوى له منذ ارتفاع الأسعار الذي بدأ مع ظهور متحور "أوميكرون" أواخر نوفمبر، بحسب كارستن فريتش المحلل لدى مصرف "كوميرزبنك".
واندلعت الاحتجاجات الأحد في المقاطعات إثر ارتفاع أسعار الغاز ثم امتدت إلى مدن أخرى خصوصا إلى الماتي، العاصمة الاقتصادية للبلاد، حيث تحولت التظاهرات إلى أعمال شغب أدت إلى سقوط قتلى.
وكازاخستان هي أكبر دولة منتجة للنفط في آسيا الوسطى، وتحتل المرتبة الـ12 لاحتياطيات الخام المؤكدة عالميا، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وكانت كازاخستان تنتج نحو 1.8 مليون برميل في اليوم 2020.
وهي أيضا ثاني دولة منتجة للنفط بين شركاء "أوبك" في إطار تحالف "أوبك+"، بعد روسيا.
وبحسب البنك الدولي، فإن الذهب الأسود كان يمثل 21 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي الكازاخستاني 2020.
من جانبه يشير ستيفن برينوك من شركة "بي في إم إنرجي"، إلى أن إنتاج "تنجيز-شيفرويل"، أكبر شركة نفطية في كازاخستان، خضع "للتعديل بشكل مؤقت بسبب الاحتجاجات في حقل تنجيز".
إلا أن كثيرا من المحللين يرون أنه لا شيء يشير إلى أن إنتاج النفط الكازاخستاني تأثر بشكل كبير.
ويؤكد برينوك أن "الإنتاج في الحقول الرئيسة الثلاثة في البلاد مستمر" .
بدروه يرى المحلل نيل ويلسون لدى "ماركتس دوت كوم"، أن "الاضطرابات في كازاخستان ترفع الأسعار على المدى القصير".
ووفقا لـ"رويترز" تعد كازاخستان، الواقعة بين روسيا والصين وتشترك أيضا في الحدود مع ثلاث جمهوريات سوفياتية سابقة أخرى، أكبر اقتصاد في آسيا الوسطى، حيث يوجد فيها مخزون غني من الهيدروكربونات والمعادن. ومنذ أن صارت مستقلة في 1991، جذبت استثمارات أجنبية بلغت قيمتها مئات المليارات من الدولارات.
من الناحية الاستراتيجية، تربط كازاخستان الأسواق الكبيرة سريعة النمو في الصين وجنوب آسيا بأسواق روسيا وأوروبا عن طريق البر والسكك الحديدية وميناء على بحر قزوين. وتصف هذه الدولة نفسها بأنها ملتقى مشروع التجارة الصيني الضخم المعروف "بالحزام والطريق".
وتعد كازاخستان أكبر منتج عالمي لليورانيوم، وأدت الاضطرابات التي حدثت الأسبوع الماضي إلى قفزة 8 في المائة في أسعار المعدن الذي يغذي محطات الطاقة النووية، عاشر أكبر منتج للفحم. وهي أيضا ثاني أكبر منجم في العالم لعملة بيتكوين المشفرة بعد الولايات المتحدة.
بدأت الانتفاضة في المناطق الغربية الغنية بالنفط على شكل احتجاجات على قيام الدولة في يوم رأس السنة الجديدة برفع أسعار البوتان والبروبان الذي يعرف "بوقود الفقراء" نظرا إلى رخص سعره.
وسرعان ما أدى هذا الإصلاح، الذي كان يهدف إلى علاج نقص الإمدادات النفطية، إلى نتائج عكسية، إذ ارتفعت الأسعار إلى ما يزيد على مثليها. وانتشرت الاحتجاجات، مستغلة إحساسا أوسع بالاستياء من فساد الدولة المستشري وعدم المساواة في الدخل والمصاعب الاقتصادية التي تفاقمت جميعها بسبب جائحة فيروس كورونا.
وعلى الرغم من أن كازاخستان تتصدر جمهوريات آسيا الوسطى فيما يتعلق بأعلى دخل للفرد، فإن نصف سكانها، وهي تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، يعيشون في مجتمعات ريفية وغالبا ما تكون معزولة وتعاني ضعف فرص الحصول على الخدمات العامة.
وفي حين إن الموارد الطبيعية الهائلة للبلاد جعلت نخبة صغيرة فاحشة الثراء، يشعر كثيرون من عامة الناس في قازاخستان بأنهم مهملون. وتشير التقديرات إلى أن نحو مليون شخص من إجمالي عدد السكان البالغ 19 مليونا يعيشون تحت خط الفقر.
ويقترب معدل التضخم السنوي من 9 في المائة، وهو أعلى معدل منذ أكثر من خمسة أعوام، ما دفع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة إلى 9.75 في المائة.
وتظهر بيانات البنك الدولي أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كازاخستان في 2020 كان 9122 دولارا وهو ما يزيد بقليل عما في تركيا والمكسيك، لكنه يقل عن أقصى ذروة سنوية بلغها بما يقرب من 14 ألف دولار 2013.
قدمت حكومة توكاييف حزمة تحفيز بلغت نسبتها 6 في المائة من الناتج الوطني لمساعدة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة على التعافي من آثار جائحة كوفيد - 19.
وتوقع البنك الدولي نموا اقتصاديا 3.5 في المائة 2021 ترتفع إلى 3.7 في المائة هذا العام ثم 4.8 في المائة 2023. وحث البنك قازاخستان على دعم المنافسة وتحجيم دور الشركات الضخمة المملوكة للدولة في الاقتصاد وعلاج حالة التفاوت الاجتماعي، والعمل من أجل مناخ اقتصادي أكثر تكافؤا.