بعد السباحة ينتقل السادات إلى الحديقة يمين حلبة الرقص بالحمام .. وكان يغطى رأسه بطقية بيضاء أقرب لما يرتديها البمبوطية البورسعيدية .. وكان التوقيت شمس الغروب الهادئة المفيدة أو الأشعة البنفسيجية وتدور أحاديث شيقة وفى حالة استرخاء مع باقى أعضاء الفريق (فريق الشمس) بعيدا عن السياسة ومليئة بالطرائف .. وكنت أجلس إلى جوار والدى أستمتع بطريقة السادات فى الحديث .. وفجأة قال له الدكتور محمد عبدالقادر أستاذ الكيمياء الحيوية بكلية طب القاهرة: على فكرة الواد ماهر بيقلدك أنت ومحمد نجيب .. ويقلدك وأنت تذيع بيان الثورة ومشيتك .. وطريقة مسكك لمضرب التنس .. وطريقة سباحتك واسترخائك فى الشمس .. فانتابتنى حالة من الحرج .. فوجدته ينادى علىّ : تعالى يابن محمود .. يا وله ورينى .. فبدى على الانزعاج فوجدته يقول بصوت كله أبوة : اطمئن ياابنى .. لاتخاف عاوز أشوفك .. وقمت بتقليده بإتقان وإجادة .. فربط على كتفى وهو يضحك ضحكته المعروفة وقال: أبوك طيب وأنت طالع عفريت لمين ..
وكان فى بعض الأوقات يحكى .. ويحكى .. فجرأنى أن أسأله عن ثورة 52 بصفته عضوًا فى مجلس الثورة فقال: شوف ياابنى لا توجد ثورة فى العالم إلا وأكلت بعضها بسب الصراع على السلطة مثلا الثورة الفرنسية ذهبوا ببعضهم إلى المعقلة حتى زعيم الثورة روبسبيبر لم يفلت منها .. والثورة البلشفية أيضا نفس الشىء .. فقلت : وهل جمال عبدالناصر يقف على هذه الحقائق التاريخية .. قال : عبدالناصر قارىء جيد للتاريخ ثم صمت برهة وقال لى : احنا بنقعد فى أى شمس قلت شمس الغروب .. فقال لأن شمس الظهر فى الصيف حارقة .. فنحن نتجنبها لأنه أضعف الإيمان إذا لم تصبنا ضربة الشمس فإنها بالقطع تؤدى إلى سرطان الجلد .. وعبدالناصر هو شمس الساعة 12 ظهراً فى عز الصيف والذى يقترب من ثورة 23 يحترق ..
وبعدها أنصت وهو يحكى قصته مع الفريق عزيز المصرى الذى كان وطنيا وقائدا حتى النخاع .. فقال لقد كلفنى بإقناع الضباط وتجنيديهم بخلايا لمقاومة الاستعمار الانجليزى والفساد وقد قمت بهذا النشاط بكل اجتهاد .. ولما اعتقلت وهربت وعانيت انصرفت عن مهمتى هذه .. ولكن جمال عبدالناصر منفردا قام بهذه المهمة وكون خلايا الضباط الثائرين وأطلق على هذه الخلايا الضباط الأحرار .. وعندما عدت إلى الجيش انضممت لهذا التنظيم ..
وفى الساعة السادسة ينصر فلم تابعة مشغولياته كعضو مجلس ثورة
محاولة اغتيال
وفى أحد الأيام وهو يسترخى فى حمام الشمس .. إذا بمجهول يأتى لأخى الأصغرعمره 5 سنوات .. وهو محسن فهمى الذى أصبح أول دفعته فى الكلية الحربية فيما بعد .. وأعطاه فردة دمبلز وهو ثقل حديد نصف كيلو تقريبا .. وقال له: عارف الرجل الذى يغطى وجهه بالطاقية ألقى عليه وجهه .. والطفل سار يتكعبل من ثقل الحديدة فى يده .. وهم بإلقائها .. فإذا بأبى يقفز ويمسك بالحديد من يد ابنه الصغير .. طار وراء الرجل بعد أن أشار عليه أعضاء فريق الشمس الذى كان يجرى كالصاروخ وقفز من فوق باب الحمام المؤدى إلى باب مستشفى المعلمين .. وأمسك به وسلمه ولكن السادات لم يعط اهتماما لما حدث .. لأنه رجل قوى لايهزه شىء .. وعندما قال له أعضاء فريق الشمس: هذا الرجل كان يقصد إيذاءك .. أجاب بهدوء: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
رفض رئاسة الأهلى
وشاع بين أعضاء النادى أن عبود باشا فقد الكثير من هيبته وسطوته .. وفريق الشمس .. فشكلوا لجنة برئاسة محمد فهمى لجميع توقيعات الأعضاء العاملين لتزكية ترشيح أنور السادات لرئاسة الأهلى .. فكونوا كتائب عمل من شباب النادى الأعضاء المنتسبين وأعضاء الفرق الرياضية .. وانتشروا على الأعضاء فى الملاعب وغرف الملابس وحديقة راتب وصالة راتب وحديقة الفروسية وصالة الفروسية وفى بيوتهم .. وجمعوا أكثر من 750 توقيعا تؤيد ترشيح السادات رئيسا فى يومين فقط .. وكان السادات رئيسا لمجلس الأمة ونقل محمود فهمى معه للعمل فى مجلس الأمة إلى جانب عمله فى المؤتمر الإسلامى ففاتحه محمود فهمى فى ترشيح الأعضاء له لرئاسة الأهلى وقال له: فى يومين فقط جمعنا 750 توقيعا يؤيدون ترشيحك فابتسم ورد على محمود فهمى قائلا: أنا راضى برئاستك لى فى فريق الشمس .. فكيف أصبح راضيا أن أرشح لرئاسة النادى .. كما أن عبود باشا أعطى الأهلى بإخلاص وسخاء وعبود باشا فقد نفوذه ولم يبق له إلا الأهلى .. فلنتركه يكمل مسيرته
وبعد عدة أيام استقبل السادات فى مكتبه وبترتيب من محمود فهمى فكرى باشا أباظة وأمين شعير ونور الدين طراف ليرجوه بصرف النظر عن الترشيح .. فقال لهم ما أمرت به محمود فهمى فى هذا الشأن .. بأن يصرف النظر عن توقيعات الأعضاء وكأن شيئاً لم يكن .. ولكى أقبل الترشيح وجب أن أخطر الرئيس عبدالناصر وأنا لم أفعل ذلك .. لأن السادات نفسه دارس التاريخ وهذا ما لاحظته عندما كان يحكى عن مصر الفرعونية ومصر اليونانية والرومانية والبيزنطية والإسلامية والعثمانية والاحتلال الإنجليزى .. بل ودارس لجغرافية وتاريخ الشرق الأوسط كله وعبقرية موقع مصر الجغرافى وأهميته ..
وفى رأيى أن السادات بهذه الثقافة .. وبمعرفته بطبيعة الثورات كما شرحها لى .. ورئاسة الأهلى تضفى على صاحبها شعبيته كبيرة وفياضة .. وأن صوره تحتل صفحات الرياضة فى كل الصحف .. ولم يكن عام 57 هناك تليفزيون .. ولكن يكون مصدر اهتمام الإذاعات مع أخبار الأهلى.. هذا إلى جانب علمه بأن المشير عامر عيّنه على نادى الزمالك.. وقبول رئاسة الأهلى يوقعه فى أكثر من شر ليس مع عبد الناصر فقط.. ولكن أيضا قدر أن يصطدم بالمشير عامر الزملكاوى.
مش بتاعه
وعادت الجلسة الشمسية.. وانضم إليها فكرى باشا وكان أحمد الريس عضو الفريق يقوم بعمل الشاى فى براد من الكهرباء.. وتدور الأحاديث الشيقة التى تتخللها القفشات والفكاهة.. وكان الحديث يدور حول هذا الشخص الذى حرض الطفل محسن لضرب السادات بالحديدة.. فقال فكرى باشا بطريقته: أصل محمود بيأتى بهذا الولد ليثبت أنه لسه فيه الخير وبيخلف.. وضحك السادات.. فقال فكرى باشا الحقيقة التى لايعرفها أحد إن الولد ده مش بتاعه ده مأجره.. فرد محمود على فكرى باشا قائلا: نجوزك ونشوف هاتعمل إيه.. فرد فكرى باشا: وأنا قلت لك إن أنا حعمل حاجة.. وانت اللى هارينا كلام فى الهجايص وتقول لنا: الجزر الأصفر والجرجير. .وشربنا الجزر الأصفر اللى فى البلد كلها وأكلنا كل الجرجير.. يدوبك نظرنا قوى.. وضجة من الضحك المستمر.. ومحمود فهمى يقول لفكرى باشا خذ نفس عميق.. وانسى