قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، إن مفهوم العدل مطلق، لكن عدم إدراك النسبي والمطلق يكون عاتقًا لعدم فهم مواقف السياسة العالمية، واستعان بفكرة القضية الفلسطينية، حيث أن مفهوم العدل غير موجود في عملية تناول الغرب للقضية، لكن التفاوض يطغى على العدل في القضية، قائلًا أن الغرب يشير إلى أن تمسكنا بالعدل هو الذي يعطل القضية الفلسطينية.
العدالة في الإسلام
وأكد أن العدل في الإسلام اسم من أسمائه تعالى، في حين يدرك الغرب أن العدل إله من آلهة العقائد اليونانية القديمة، وأنه مجرد صورة في أذهان من أنشأه، تغير بتغير تلك الصورة.
وكتب علي جمعة تدوينة على الفيس بوك "كثيرًا ما يمثل عدم إدراك معنى النسبي والمطلق عائقًا لفهمنا لكثير من المواقف غير المنطقية التي تحدث يوميًا في السياسة العالمية أو في مواقف الدول والعلاقات الدولية؛ بناء على أننا آمنا بالمطلق وجعلناه مقياسًا للحق، وأننا لا نتصور أن أحدًا من العقلاء يتلون هذا التلون العجيب من النقيض إلى النقيض بدون أي تأنيب ضمير أو مراجعة لتصرفاته، بل إنه مقتنع بما يفعل ماض في ذلك"
قضية العدالة والغرب
وقال: "ففي حلقة نقاشية مع مؤسسة ألمانية حول قضية العدالة ذكرت أن العدل في الإسلام اسم من أسمائه تعالى، وعلق أحدهم على ذلك بأن هناك في العقائد اليونانية القديمة إله العدل، وفهمت حينئذ الفرق بين النسبي والمطلق وكيف أن إله العدل هذا الذي لا وجود له، والذي كان مجرد صورة في أذهان من أنشأه قد تغير بتغير تلك الصورة، وتغير أيضا عندما فهم الناس أنه ليس هناك آلهة متعددة"
وأضاف "أما العدل الذي هو صفة من صفات الباري سبحانه وتعالى، فهو يلزمنا بالعدالة لأنه قد ألزمنا أن نتخلق بأخلاقه وأن نتمثل أوامره امتثالا ثابتا؛ لأنه سبحانه هو الباقي، وعرفت مدى استعداد هذا العقل- الذي كان يؤمن أولا بآلهة متعددة- لقبوله لهذه النسبية المفرطة"
وتابع علي جمعة "ثم جرنا الحديث إلى مدى تطبيق العدل على القضية الفلسطينية؛ وإذ بأحد المعقبين يقول: إن تمسككم بالعدل هو الذي يعطل القضية، فيجب عليك أن تجلسوا للمفاوضات وأن تقبلوا بالممكن والمتاح، وهو يمكن أن تطالب به وليس لكم أن تطالبوا بالعدل؛ لأن العدل ليس ممكنًا بل هو عائق ومانع للوصول إلى السلام"
العدالة والقضية الفلسطينية
وقال "وقلت له: إن الجلوس إلى المفاوضات شيء، ومفهوم العدل شيء آخر، فالجلوس إلى المفاوضات لازم من أجل الوصول إلى السلام وإلى ارتكاب أخف الضررين، وإلى الوصول إلى أمن الناس والحفاظ على مقاصدهم الرئيسية من حفظ النفس والعقل وحقوق الإنسان وكرامته ونحو ذلك. إلا أن نتائج هذه المفاوضات تحكم بمبدأ آخر معروف في السياسة وهو مبدأ (خذ وطالب) فإذا كانت السياسة هي فن الممكن، فإنها لا تقف عند الحصول على جزء من الحق، وإنما بعد ذلك تعيد المطالبة بما هو ممكن، وتستمر هذه المطالبة حتى تتحقق العدالة"
واختتم حديثه قائلًا: "أما إنكار مفهوم العدالة في نفسه، ووصفها بأنها لا تغني ولا تسمن من جوع، فهو أمر خطير نتج من ضغط الحالة الإسرائيلية على العقل الغربي، ضغطًا شوهه من ناحية، وجعله خارجًا عن حد المنطق من ناحية أخرى، وما كان له كذلك إلا لتقديم النسبي على المطلق لتحقيق المصالح"