أكد رئيس قسم اللغة العربية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر، الدكتور رمضان حسان، أن أسرار البيان القرآني نبع فياض لا تنفد موارده، فكلما تفكر العلماء في أسراره وجدوا أسرارًا جديدة تناسب عصرهم ، فالخطاب القرآني مناسب لجميع العصور وهذا من أسرار بيانه المعجز.
جاء ذلك في محاضرة رئيس قسم اللغة العربية في فعاليات اليوم الثاني للدورة التدريبية المشتركة لأئمة مصر وفلسطين بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، اليوم /الإثنين/، التي جاءت تحت عنوان: "من أسرار البيان القرآني"، بحضور مدير عام الإدارة العامة للتدريب الدكتور أشرف فهمي.
وقال الدكتور رمضان حسان إن القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى المعجز، والذي تحدى به ربنا تبارك وتعالى الخلق جميعًا؛ مستشهدًا بقوله تعالى: "قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا"، فكل تأخير أو تقديم أو حذف أو ذكر جاء في القرآن الكريم جاء لأن النسق يتطلب ذلك، فهو في أعلى درجات الفصاحة والبلاغة.
وأوضح -في هذا الصدد- أننا نجد في قوله تعالى "قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى"، أن النص القرآني الكريم استعمل حرف الجر "في" مع أن المشهور استعمال حرف الجر "على" للصلب على النخيل والأشجار ونحو ذلك، لكن للمبالغة في بيان ما ينتظرهم من عذاب فرعون، والمعنى: من شدة العذاب؛ فإن أجسادهم تدخل في جذع النخل؛ لذلك استعمل حرف الجر "في" لأن المعنى لا يتم إلا بها وليس بغيره.
وأضاف رئيس قسم اللغة العربية بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر، أن استعمال كلمة "إصلاح" لها سر بلاغي في قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ"، فلو فتشنا ونقبنا في اللغة العربية على طولها واتساعها، وحقولها الدلالية؛ فلن نجد كلمة واحدة تقوم مقام كلمة الإصلاح وتسد مسدها؛ فاليتيم قد يكون فقيرًا فيحتاج إلى الإطعام أو الكسوة أو المسكن أو نحو ذلك، فيكون الإصلاح لليتيم أن يقام على إطعامه أو كسوته أو توفير المسكن اللازم له، وقد يكون اليتيم غنيًا فلا يحتاج إلى طعام أو كسوة أو مسكن، وإنما يحتاج إلى من يقوم على أمواله ويحافظ عليها وأن يستثمرها له.
وتابع -في مزيد من التفسير لكلمة إصلاح- أن اليتيم قد يكون غنيًا وعنده من يقوم على رعايته واستثمار ماله وإنما يحتاج إلى الرحمة والحنو عليه، فيكون الإصلاح له بالرحمة والحنو عليه والمعاملة الحسنة، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :"مَنْ مَسَحَ رَأْسَ الْيَتِيمِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنْ رَأْسِهِ حَسَنَةً"، وقد يحتاج اليتيم إلى التربية والتقويم والتعليم، فيكون الإصلاح تقويمًا وتهذيبًا وتربية، فحينما سأل رجل سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مم أضرب يتيمي؟ أي إن كنت مضطرًا لتأديبه، فقال (صلى الله عليه وسلم): "مما كنت ضاربًا منه ولدك، غير واقٍ مالك بماله"، أي أن إصلاح اليتيم قد يكون في إطعامه وقد يكون في المحافظة على أمواله، وقد يكون بتربيته وتهذيبه، وقد يكون بالرحمة والحنو عليه.
وأشار أيضًا إلى قوله تعالى: "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ"، قائلًا إن استعمال كلمة "حرب" حتى تشعر الذي يتعامل بالربا أن الأمر عظيم ولا بد من الانتهاء عن التعامل به.