قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن الحب هو الحقيقة الكبرى التي قام عليها الكون كله، وللحب دلالات ومعان كثيرة وعميقة تختلف باختلاف المتعلق به، فحب المعاني غير حب المحسوسات، وحب الصور غير حب الأخلاق وهكذا.
وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية: من أنواع الحب: حب الله، فإن لله تعالى صفات الكمال ونعوت الجمال والجلال، وهو يحب لأنه متصف بكل جميل، ومنزه عن كل قبيح، وهو سبحانه يحب لذاته، ويقصد لذاته، و حب الله هو مقام عظيم من مقامات القرب، وعبادة المحبة هي عبادة أولياء الله الصادقين المخلصين، وكل من عرف ربه أحبه، فهو الكريم سبحانه، وهو الذي أسبغ على خلقه نعمه.
وأضاف: وقد أخبر سبحانه أن الذين آمنوا يحبون الله حبًا شديدًا فقال عز وجل: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِ)، كما أبى الله سبحانه وتعالى على المؤمنين أن يقدموا محبة غيره- أياً كانت- على محبته وجعل من يفعل ذلك من الفاسقين الخارجين عن دائرة حبه ورضاه، فقال جل وعز: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ).
وأشار: حب الله أساس الإيمان بحيث لو خلا قلب المؤمن من حب الله، لم يكن مؤمنًا باتفاق المسلمين، وإنما يتفاوت الخلق في درجة حبهم لله، وقد طلب سبحانه وتعالى من الذين يزعمون أنهم يحبون الله الدليل العملي على ذلك الحب فقال جل شأنه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، و حب الله موضوع كبير يحتاج في توضيحه إلى مؤلف خاص، ولكن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وما نريده من المسلم أن يعلم أنه يجب عليه أن يقدم حب الله على حب من سواه، وأن الدليل العملي على حب الله سبحانه وتعالى هو اتباع الرسول الأكرم سيدنا محمد ﷺ.
وأوضح: أما النوع الثاني من الحب: هو الحب في الله، وهذا النوع هو أساس وحدة المجتمع المسلم، إذ ما أمر الله به من إحسان في المعاملة للوالدين، والأقربين، والجار، والصحبة، وكل من يخالطهم الإنسان، ما كان له أن يتم باعتباره أوامر مخالفة للعاطفة، بل إن الحب في الله هو أساس الإحسان في هذه المعاملات كلها، وقد أخبر ربنا سبحانه وتعالى عن هذا المظهر البديع، في موقف الأنصار في تكوين أول نواة للمجتمع المسلم على الأرض حيث قال: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)، وهذا الحب الصادر من الأنصار للمهاجرين الذي وصل حد الإيثار على النفس قد امتدحه الله على أنه النموذج الأعلى للعلاقة بين المسلم وأخيه المسلم.
و الحب في الله هو أعلى مظاهر الإيمان بالله، ومن أوثق عرى الإسلام، ولهذا أخبر المصطفى ﷺ في أكثر من حديث عن فضل هذا المظهر الجليل، والخلق العظيم وهو حب المرء في الله لأنه من أهل طاعته، نذكر من هذه التوجيهات النبوية، ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "لا يجد أحد حلاوة الإيمان، حتى يحب المرء، لا يحبه إلا لله، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله، وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" [البخاري].