ملف الإيجارات القديمة من أكثر القضايا تعقيدًا لأبعادها الاجتماعية التى تشغل بال ملايين الأسر المصرية يعيشون فى ظل صعوبات اقتصادية فى 3 ملايين شقة إيجار قديم.
لا أتصور أبدًا صدور قانون يطرد مطلقة من مسكن استقرت به وامتدت لها العلاقة الإيجارية بعد وفاة والدها، وكيف يصدر قانون يطرد المستأجر الأصلى من كبار السن ولو بعد فترة انتقالية، وكيف يصدر قانون يطرد مسافرًا من شقته لأن شقته كانت ضمن إحصائيات الشقق المغلقة، وهى كلها حالات تحت حماية حكم المحكمة الدستورية التى كفلت لهم الاستقرار فى السكن، وقبل ذلك حرص الدولة على استقرار الأسرة المصرية وعلى الأمن المجتمعى.
نعم هناك مبادئ تجب مراعاتها عند مناقشة تعديلات القانون لتحقيق التوازن بين مصالح طرفى العلاقة الإيجارية التى يحكمها ما يطلق عليه القانون القديم والقانون الجديد، والفرق بينها أن جميع العقود التى تم إبرامها قبل 31 يناير 1996 – وهو تاريخ سريان القانون رقم 4 لسنة 96 – يطبق عليها القانون القديم، وبالنسبة لأحكام القانون القديم فالقاعدة العامة تقول إن عقود الإيجار السكنية لا تنتهى بانتهاء مدتها.
وبعد صدور أحكام متعاقبة للمحكمة الدستورية العليا، بأن عقد الإيجار يمتد بعد وفاة المستأجر الأصلى أو تركه العين إلى الزوجة والأولاد وأى من الوالدين بشرط أن يكون أى من هؤلاء مقيمين مع المستأجر الأصلى إقامة دائمة ومستقرة حتى وفاته أو تركه العين، أما القانون الجديد فتنطبق عليه أحكام القانون المدنى وأن العقد شريعة المتعاقدين، بمعنى أن يلتزم المؤجر والمستأجر بما اتفقا عليه فى عقد الإيجار، من حيث المدة والأجرة وكل شروط العقد.
عندما صدر القانون رقم 4 لسنة 1996 كان حدًا فاصلاً ما بين العقود المفتوحة والعقود محددة المدة، ومعنى ذلك أنه لا توجد عقود إيجار قديم منذ 26 عامًا، والتساؤل الذى لا أجد إجابة له هو لماذا تتقدم الحكومة بالتعديلات المقترحة لقانون الإيجارات الآن؟! ما مصلحة الحكومة فى إثارة القلق بين ملايين المواطنين؟! وهل العدالة الاجتماعية المنشودة تجعل الحكومة تتقدم بمشروع قانون هادم لاستقرار ملايين الأسر بحجة إعادة التوازن بين المالك والمستأجر؟
لا أتبنى موقف أحد منهما، لكننى أتبنى الحرص على سلامة وأمن المجتمع المصرى الذى يكفيه ما يعانيه من صعوبات اقتصادية وهزات اجتماعية.. وبصوت عالٍ أقول للحكومة الوقت غير مناسب على الإطلاق لطرح هذه التعديلات.. فهل لدى الحكومة حس سياسى كى تدفع بهذا اللغم إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره، وعن أى حوار مجتمعى تتحدث الحكومة.. ما آلياته وهل سيكون واقعيًا؟!
نناشد الراشدين والحكماء أن ينصحوا الحكومة بألا تمضى قدمًا فى هذا المسار وأن تؤجله لأجل غير مسمى حرصًا على أمن وسلامة المجتمع.. والله من وراء القصد.