لأنهم تمارضوا.. أضاعوا 21 مليون جنيه!

لأنهم تمارضوا.. أضاعوا 21 مليون جنيه!صورة ارشيفية

كنوز أكتوبر20-2-2022 | 19:10

مليون و376 ألف يوم عمل ضائعة.. بجميع منشآت ووحدات جمهورية مصر العربية بسبب الإجازات المرضية.. لقد حدث خلال العام الماضى(1975) أن بلغت قيمة الخسائر التى تحملها الإنتاج فى 162654 منشأة أكثر من 21 مليون جنيه!

إن هذه الأرقام تعطى مؤشرات مهمة وخطيرة تهدد اقتصادنا القومى، وتمثل نسبة متصاعدة للفاقد فى الطاقة البشرية.. عماد الإنتاج، وهى ظاهرة منتشرة بين العاملين فى الحكومة والقطاع العام، وساعد على استفحالها وتضخمها ما نجده بقوانين العمل ولوائحه المتضاربة فيما يتعلق بالأحكام المنظمة للإجازات المرضية!


نظام الإجازات المرضية فى مصر.. من كثرة ما أدخل عليه من تعديلات لم يعد نظامًا متكاملاً، بل أصبح مجموعة ثغرات واستثناءات ومفارقات تنفذ من ثقوب نسيجه الحيل المرضية التى تؤثر بالتالى على القدرة الإنتاجية.. ورصيد التنمية.


وبتعبير أدق للدكتور سعيد عبد الفتاح، مدير عام المجالس الطبية «القومسيون الطبى»1976، هناك خيط دقيق بين العامل والمريض والطبيب المعالج ومكان العمل.. يتوقف عليه منح أو عدم منح الإجازة المرضية.. والنتيجة يتحملها فى النهاية الإنتاج والخدمات فى الدولة.. أما بالنسبة للأمراض النفسية والعقلية فإن طرق المعالجة وعدد الأيام المرضية التى تمنح بدون خصم أى بأجر كامل مهما زادت مدتها، فإنها تختلف لأنه ليست هناك معايير ثابتة لقياس أو تحديد شفاء المريض منها، وتختلف من تقدير إلى آخر ومن حالة لحالة.. وهناك آراء كثيرة لا تعلن عنها حتى لا تحدث بلبلة ويتحول نصف موظفى الدولة إلى مرضى نفسيين وأبسط شىء عندهم اكتئاب نفسى!


ويعترف مدير عام القومسيون الطبى بأن هذا نقص خطير تواجهه ولم يعد قادرًا على مسايرة التطور العصرى خاصة فى علاقات العمل.. فنظام الإجازات المرضية الاستثنائية بوضعه الحالى فى حاجة إلى إعادة نظر لتفادي التحايل والهروب من العمل والتمارض، للوصول إلى علاقة متوازنة بين مقتضيات العمل والمحيط الذى يعيش فيه العامل.


أكليشهات مرضية


و الإجازات المرضية تحولت إلى أكلشيهات، فهى كالزئبق تتمدد وتنكمش حسب كل عامل وقدرته فى الحصول على حدها الأقصى.. أو الهبوط إلى حدها الأدنى.. وما بين هذا وذاك من عوامل ومؤثرات.. وأصبح طبيب الصحة «موثق إجازات» فى الحكومة أو القطاع العام!
وليس هناك اعتراض على حق كل عامل فى الدولة فى أن يحصل على إجازة مرضية بسبب المرض، لكن إذا لم يكن العامل مريضًا فلا حق له فى الإجازة ولا يعتد بنوع المرض الذى يصيب العامل، غير أنه إذا كان المرض من أمراض المهنة أو نشأ من إصابة عمل أثناء العمل وبسببه فتطبق فى هاتين الحالتين أحكام قانون التأمينات الاجتماعية، وهذه من أبواب الرعاية التى تقررت للعمال.


سوء استغلال


والواقع أن كثرة تدخل المشرع بالتعديل والإضافة فى المواد المنظمة للإجازات المرضية يعتبر رد فعل لما تحدثه دائمًا الضجة التى تقوم حول كثرة تمارض العمال فى القطاع العام بصفة خاصة، وانقطاعهم عن العمل بسبب المرض وسوء استغلالهم لحق كان يجب حسن استعماله.


وفى رأى سعد محمد أحمد، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.. أن تمارض العامل إخلال خطير بواجباته، يستوجب توقيع الجزاء الرادع، ويجب أن يراعى ذلك عند وضع لوائح الجزاءات فى الوحدات الإنتاجية.. فقوة العامل فى مصر تزداد سنة بعد الأخرى.. وكذلك الأجور التى يتقاضونها، ولا ريب أنهما يعطيان مؤشرًا واحدًا واضحًا وهو مدى الخسارة التى يتحملها الاقتصاد القومى من جراء كثرة أيام الغياب الضائعة، ويرى ضرورة ترشيد الإجازات وتوعية العمال.. مع توفير الخدمات الصحية وتيسير وصولها للعمال فى مواقع العمل المختلفة.


وإذا ألقينا نظرة وجدنا أن للعامل إجازة مرضية كل ثلاث سنوات أثناء الخدمة، منها ثلاثة شهور بمرتب يعادل 70% مما يتقاضاه، وثلاثة شهور أخرى بمرتب يعادل 75%، وثلاثة شهور بمرتب يعادل 80%، ثم عدلت إلى ثلاثة شهور بأجر كامل والشهران الآخران بأجر يعادل 75% من أجره الأساسى، وستة شهور بأجر يعادل 70% من أجره الأساسى، وتمت تعديلات أخرى كما سنرى!


الطاقة المنتجة


ويرى د. محمد صبرى، نائب وزير الصحة ورئيس هيئة التأمين الصحى، أن الإجازة المرضية مشكلة يعانى منها الإنتاج والخدمات على حد سواء، يأخذ العامل إجازة مرضية وبالتالى تقل الطاقة المنتجة.. والملاحظ أيضًا فى رأيه أنه مع ضغوط الحياة فإن ظاهرة التكالب على طلب الإجازة المرضية قد كثرت ووضحت، ويقول إن ظاهرة التمارض موجودة فى كل مجتمع، ولكن العامل يأخذ الإجازة ليعمل عملا خارجيا يحصل من خلاله على أجرين، وكلما كانت الحرفة مطلوبة فى السوق كان الإقبال على التمارض أكثر، وأن العامل الفنى كلما كانت مهارته أكثر ومطلوبا فى سوق العمل فإنه يتكالب على طلب الإجازات المرضية.


وقال إن النظام الحالى للإجازات يساعد على التحايل.. لأنه إذا تجاوز عدد أيام الإجازة المرضية فإن العامل له الحق فى أن يطلب تحويل إجازته المرضية سواء بأجر كامل أو أجر منخفض إلى إجازة سنوية.
وقد قرر المشرع لاعتبارات إنسانية حق شاغل الوظيفة فى الحصول على إجازة مرضية مدتها تسعون يوما بأجر كامل، كل ثلاث سنوات أثناء الخدمة، ومائة وثمانون يوما بثلاثة أرباع الأجر، من الممكن إضافة تسعين يوما إليها إذا رأت الجهة الطبية المختصة ذلك، فضلًا عن حق شاغل الوظيفة فى أن يطلب احتساب ما حصل عليه من إجازة مرضية من رصيده فى الإجازات الاعتيادية.. وهذا فى القطاع العام.


ويضيف د. صبرى زكى: بدأت عوارض وآفات جديدة تظهر فى المجتمع والمجتمع العمالى بصفة خاصة هى فى الواقع كلها تندرج تحت وصف واحد، المرض النفسى والمرض العقلى، وقد وضعت اللوائح للتخفيف على المرضى بها، وسمحت للمريض بهذا النوع من المرض أن يأخذ إجازة مرضية طويلة بأجر كامل خلال مدة المرض حتى يشفى، وكحقيقة علمية فى رأيه أن المريض عقليًا لا يشفى أبدًا.. لأنه فى أحسن الحالات يمنح شهادة بأنه (تحسن واستقر)، لأن المريض إذا تعرض لأزمة بسيطة فسرعان ما يعود إلى المرض العقلى أو الانحراف العقلى، وما يلبث أن يعود إلى حالته المرضية السابقة، وهذا يقتضى تأهيل المريض العقلى للرجوع للمجتمع والتعامل مع الآخرين.


عدم المجاملة


وإذا انضبط نظام الإجازات المرضية فى رأى د. فوزى السيد، وكيل أول وزارة الصحة، فإنه يؤدى فى النهاية إلى توفير الطاقة العاملة، ورفع المستوى الصحى للعاملين وإحكام الرقابة على الخدمات التى يؤديها الأطباء.


وبالتالى فإن الإجازات تعطى لمن يستحقها فعلاً دون النظر إلى مكانة العامل ووظيفته فى الشركة.. لأن الطبيب عامة لا يتبع الجهاز الإداري للشركة وهذا ما يجب أن يكون عليه، والصحة استثمار وليست خدمات، وشأنها شأن الآلة التى تشتريها من أحسن المصانع لتعطى أحسن الإنتاج.

تم نشر الموضوع فى مجلة أكتوبر بتاريخ العدد الرابع 21/11/1976 ونعيد نشره ضمن كنوز أكتوبر

أضف تعليق

حظر الأونروا .. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2