«11. 11».. لعبة سردية أفسدها التفلسف!

«11. 11».. لعبة سردية أفسدها التفلسف!محمود عبد الشكور

الرأى27-2-2022 | 19:57

لعل هذا الفيلم بعنوانه الغريب "11:11" من تأليف ياسر عبد الباسط، ومن أخراج كريم أبو زيد، من أبرز تجارب الفيلم المصري فى السنوات الأخيرة فى تجديد طريقة السرد، من هذه الزاوية، نحن أمام فيلم من أبرز محاولات السرد الطموحة، التي تعيد بناء الزمن، وتبتكر فى تشكيله، وتحاول أن تتأمل خطوطا درامية تلتقي فى زمان ومكان واحد، وهي لا تفعل ذلك من باب اللعب مع الجمهور، وإنما لأن الفكرة تستلزم ذلك، أي أن هناك وعي من البداية، بأن هذا الشكل السردي المعقد، قد فرضه المضمون.

ولكن الحلو عندنا لا يكتمل أبدا، إذ أن مشكلة هذه التجربة فى مضمون الحكاية المشوش، أوالمكتظ، على أحسن تقدير، بالأفكار الكبيرة التي انتهت الى ما يقترب إلى التلفسف الفارغ، أو ربما أكون قد فشلت فى فهم هذه التعليقات الجوفاء من راوي الفيلم (صوت القدير أحمد فؤاد سليم)، الذي جعلني فى حيرة بالغة، فلو اكتفي الفيلم بفكرة هامة، وهي تأمل معنى اللحظات والاختيارات الحرجة، التي يمكن أن يعيشها كل فرد فى حياته، على اختلاف التفاصيل، لكنا أمام فيلم عظيم حقا، يذكرنا بدراما تستلهم المواقف الوجودية، التي تربط حياتنا بلحظة اختيار قوية وعاصفة، ولكن فيلمنا يمنح أبطاله هذه اللحظة الوجودية فى الاختيار، ثم يعود إلى جعل كل حياتنا فى أيدي القدر، الذي يرسم لنا أشياء الطريق دون أن ندري، وبينما تلعب الصدفة دورا فى إنقاذ شخصيات الفيلم من رصاصة طائشة من مسدس، فإن الراوي يقول على شريط الصوت إنه لا يوجد شيء يخضع للصدفة، يضاف الى ذلك عدم ضبط حكايات الفيلم الأربعة لا من حيث توازن السرد، ولا من حيث قوة الحكايات، فكأننا أمام اضطراب فى الأفكار، وحالة من التشوش التي أفسدت الطموح السردي المدهش، ولا أعرف سببا لذلك، وإن كنت لا أستغربه، فيبدو أن أحدا لا يناقش السيناريوهات، ولا يطرح أسئلة على المؤلف، اكتفاء ببريق الفكرة، وتوهما بأن "الكلام الكبير" بصوت أحمد فؤاد سليم الفخيم يكفي لإقناع المتفرج بمنطق الفيلم، إذا جاز أن يكون هناك منطق متسق فيما شاهدناه.

يقوم بناء السيناريو على لحظة محددة تجتمع فيها أربع حكايات فى زمان ومكان محددين، دون أن يرتبط هؤلاء إلا تيمة اختيار كل منهم لقرار حاسم، بعد مشكلة أو مأزق.
الحكايات الأربعة هي كالتالي: زوج يخون زوجته المتسلطة، تكتشفه فيحاول أن يطلق عليها النار، فيصيب الرصاص ابنه، مما يجعل الزوج يفكر فى الانتحار، وشاب فقير يحب فتاة ، ولكنها لا تحب عمله فى كشك والده الفقير، مع أنه طالب فى الهندسة، ولكنه يتمسك بها، ويعيد لها موبايل أخده صديق يريد التحرش بها، ورجل يرعي أمه المريضة بالزهايمر، ولكن زوجته تريد أن يضعها فى دار للرعاية، إلا أنه يرفض ذلك، وزوجة تريد أن تنجب من زوجها بطريقة الحقن المجهري، ولكن تقدمها فى السن، وخطورة علاجها بالهرمونات، تجعل الأمر أقرب للمستحيل، ولكنها لا تتوقف عن المحاولة.

تجمع ساعة ودقيقة بعينها الشخصيات معا، كما يجمعها الوقوف انتظارا لدورها فى أحد محال المشروبات، وقيام الزوج الخائن بإطلاق الرصاص، ووصول الرصاصة عشوائيا إلى داخل المحل، هي الحيلة التي ستجعل الفيلم ينتقل ببراعة بين قصص شخصياته، ثم يعود من جديد الى مشهد إطلاق الزوج للنار على نفسه، والشخصيات الأربعة تواجه اختيارات مصيرية: فالزوج عليه أن يحدد هل سينتحر أم لا؟ والابن عليه أن يقرر هل سيسمع كلام زوجته ويدخل أمه دار رعاية أم لا؟ والفتاة عليها أن تختار هل ستكمل مع حبيبها البائع فى الكشك أم ستتركه؟ والزوجة التي تريد الإنجاب عليها أن تحدد هل ستكمل التجارب أم ستتوقف وتترك زوجها الذي تلح عليه أمه فى الإنجاب؟

هنا فكرة ذهبية سرعان ما تتبدى فيها ثغرات كثيرة واضحة، فمأساة رجل يريد الانتحار أقوى بالتأكيد من حكاية فتاة تعترض على عمل حبيبها فى كشك والده، وقصة الشاب وأمه المريضة بالزهايمر تستأثر بجزء كبير من السرد، مقارنة بالأجزاء الأخرى، مع كثير من التكرار فى موقف الشاب الرافض لوضع أمه فى دار للمسنين، أما مسألة إطلاق الرصاص، وحكاية إصابة الطفل، ومصيره، فكلها عناصر أساسية فى السرد، ولكنها لم تكن مقنعة ولا منضبطة فى سياق الحكاية، وبينما يفترض أن تكون لحظة الشارع والكافيتريا هي ذروة الاختيار واتخاذ القرار، كما فى قصة الزوج والمسدس، وقصة الزوجة والمستشفى، فإن قرار الشاب وأمه المريضة ينتهي مبكرا منذ رفضه القاطع لوضع أمه فى دار الرعاية، إنه حتى لم يتردد فى الرفض، وبذلك انتهت الحكاية تماما قبل مشهد إطلاق الرصاص.
لكن الخلل الفادح يبدأ مع عودة صوت الرواي، الذي ينفي وجود الصدفة، مع أن الصدفة وحدها هي التي أنقذت الشخصيات من الرصاصة، ولا يمكن فهم الحكاية كلها إلا باعتبارها اختيارات حرة تماما، وهناك أيضا كثير من التأملات التي يسردها الصوت، لا علاقة لها بما رأينا من دراما، أو لعل هناك علاقة ما، ولكن الدراما التي شاهدنها فشلت فى نقلها.


هناك جهد كبير فى بناء الفيلم مونتاجيا، وهناك مخرج جيد هو كريم أبو زيد يريد أن يصنع شئا جديدا ومختلفا، ولكن هناك أيضا بالمقابل تفاوتا ملحوظا فى أداء الممثلين، فبينما غلب الانفعال الزائد على أداء إياد نصار وإنجي المقدم، كانت غادة عادل وكان عمر الشناوي جيدين، وبينما كان محمد الشرنوبي مميزا، وكانت حنان يوسف فى أفضل أدوارها (الأم المريضة المصابة بالزهايمر)، كانت الممثلة التي لعبت دور زوجة ابنتها أقل بكثير، وكانت الوجوه الجديدة فى قصة شاب الكشك وحبيبته عادية بل، وضعيفة أحيانا.
لا تكتمل لدينا التجارب الطموحة، وتقديرنا لها بسبب الاجتهاد، لا يمنعنا من الشعور بالإحباط، فالأهم هو الصورة العامة، والنتيجة النهائية، التي لم تكن أبدا فى مستوى الطموح.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2