المشروع الذي أفشلته الولايات المتحدة

لا صوت يعلو فوق صوت إطلاق الرصاص ودانات المدافع وصواريخ الطائرات.. منطقة قارسة البرودة في شرق أوروبا تحولت فجأة إلى أكثر مناطق الأرض سخونة.

مضت 10 أيام منذ بدء عملية الاجتياح الروسي لأوكرانيا، تطورت خلالها الأحداث على نحو جعل العالم كله يتأثر بالأزمة، فلم تعد أوكرانيا وروسيا فقط هما المتأثرتين بالأزمة، بل امتد أثرها ليشمل كل دول العالم رغم أن قرارات المجتمع الدولي العقابية لم تكن تستهدف سوى روسيا لثنيها عن مواصلة التوغل داخل الأراضي الأوكرانية.

لكن الواقع أظهر غير ذلك تمامًا، ورغم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أوصى بضرورة انسحاب روسيا من أوكرانيا وأدان الغزو الروسي، إلا إن نتائج الاجتماع الطارىء للجمعية العامة للأمم المتحدة لم يؤت هو الآخر ثماره.

تواصل روسيا تقدمها في الأراضي الأوكرانية، بل وتحذر من صدام نووي عالمي مدمر.

وعلى الجانب الأوكراني، أُعلن وصول المجموعات الأولى من المقاتلين الأجانب لخوض المعارك ضد الروس.

فى الوقت ذاته كان الجنود الشيشان قد وصلوا أيضًا إلى أوكرانيا لدعم الجيش الروسي.

وتعلن دول الاتحاد الاوربى و الولايات المتحدة الأمريكية فى ذات الوقت أنها تواصل إمداد أوكرانيا بالسلاح.

حالة من الترقب والخوف من تطور الأحداث فى شرق أوروبا، تتوازى معها معركة تطحن البطون فى الدول النامية التى بدأت تأن من ارتفاع الأسعار بعد التسارع فى رفع أسعار الطاقة على المستوى العالمى وعدم القدرة على المواجهة.

أما دول الجوار الأوروبى من أوكرانيا فقد رفعت درجة الاستعداد القصوى على حدودها.. وباتت القدرات العسكرية لحلف الناتو فى حالة استنفار كامل، بل إن الولايات المتحدة نشرت أكثر من 5 آلاف جندى فى بولندا وكذلك فى رومانيا وعدد من دول البلطيق.

حالة من الخوف سيطرت على شعوب شرق أوروبا خوفًا من التمدد الروسى باتجاهها.

(1)

فى منتصف ديسمبر 1981 استيقظ سكان مدينة «كراكوف» البولندية على أصوات جنازير الدبابات الروسية وهى تحاصر المدينة، حالة من الفزع اجتاحت المدينة على مدى يوم كامل ظنًا أن «برجينيف» يستعيد حلم الإمبراطورية، حتى جاء اليوم التالى وأعلنت الدولة البولندية أن ما يحدث هو تصوير فيلم عن الحرب العالمية الثانية تقوم به إحدى شركات الإنتاج الأمريكية.

ورغم الإعلان الرسمى إلا إن حالة الخوف التى انتابت سكان المدينة البولندية لم تنته آثارها.

ورغم انهيار الاتحاد السوفيتى إلا إن مشاهد القلق لدى شعوب أوروبا من عودة روسيا لتحقيق حلم الإمبراطورية ما زال يسيطر عليهم، وهو ما جعل دول الاتحاد تواصل إعلان مساندتها ل أوكرانيا دون أن تتدخل عسكريًا فى مواجهة الجيش الروسي.

تطورات الأحداث جعلت المشهد أكثر تعقيدًا ما لم يتم العودة إلى طاولة المفاوضات قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة.

لكن المشهد يحمل فى طياته نقاطًا يجب الالتفات إليها جيدًا حتى نستطيع القول أن الأزمة من الممكن لها أن تصل إلى طريق الحل فى وجود إرادة حقيقية لدى الأطراف المختلفة.

بالنسبة للدولة الروسية، التى حددت هدفًا إستراتيجيًا وعسكريًا لعمليتها العسكرية يتمثل فى نزع سلاح أوكرانيا، كشفت تصريحات بعض المسؤولين الروس أن المشهد لن يتوقف عن هذا الحد، بل قد يتطور لما هو أبعد من حدود أوكرانيا حفاظًا على الأمن القومى الروسي.

أما أوكرانيا الدولة المستقلة – عضو الأمم المتحدة- بعد إعلان موسكو اعترافها باستقلال جمهوريتى (لوهانسيك ودونيتسك الشعبيتين بإقليم دونباس) والاعتراف بالانفصاليين، رأت أوكرانيا أن هذا تهديد لوحدة أراضى الدولة، وهو ما أيده الغرب بإعلان تضامنه مع الرئيس الأوكرانى فلوديمير زيلينكسى فى هذا الاتجاه، لكنه تضامن منقوص فقد تخلى عنه فى المواجهة الفعلية ضد روسيا وهو ما جعل زيلينكسى فى مواجهة مباشرة غير متكافئة.

هنا لابد أن نسأل، لماذا لم تستطع روسيا رغم مرور كل تلك الفترة (10 أيام) على عملية الاجتياح الروسى أن تسيطر على الوضع فى أوكرانيا؟ بل إنها لم تسيطر سوى على مدينة «خيرسون» فى الجنوب الشرقى من أوكرانيا وأحد المحاور المهمة لشبه جزيرة القرم.

إن روسيا لا ترغب فى تدمير البنية التحتية الأوكرانية، لكنها تستهدف البنية العسكرية، كما أنها لا ترغب فى ترك صورة ذهنية سيئة لدى الشعب الأوكراني.

(2)

مع سيطرة روسيا على بعض المناطق فى شرق وجنوب أوكرانيا، ما زالت معركة كييف العاصمة لم تُحسَّم بعد، وبدأت ملامح جديدة لمشهد تسعى نحوه موسكو وهو الوصول إلى منطقة غرب نهر دنيبر، عند هذا الحد ستكون موسكو على استعداد حقيقى للتفاوض، لكنها لن تتنازل عن المناطق التى وصلت إليها خاصة شرق وجنوب أوكرانيا.

هنا لابد أن نتوقف عند بعض النقاط المهمة فى المشهد الروسى -الأوكرانى:

أولًا: كانت روسيا قد أبلغت مسئولًا أمريكيًا فى ديسمبر الماضى بمجموعة من المطالب للحفاظ على أمنها القومي، ومنها التوقف عن مواصلة التمدد الغربى (دول الغرب) باتجاه روسيا، ووقف عمليات حلف الناتو فى نشر قواعد الصواريخ بالقرب من الحدود الروسية وحظر الصواريخ متوسطة المدى فى شرق أوروبا، وعدم الموافقة على انضمام أوكرانيا لحلف الناتو.

لكن كل ما سبق لم يتم الالتفات إليه، وهو ما اعتبرته روسيا تهديدًا حقيقيًا لها يستدعى سرعة اتخاذ القرار والتحرك العسكري.

ثانيًا: حذرت روسيا أوكرانيا من أن تلقى بنفسها فى أحضان الغرب لما له من تأثير على الأمن القومى الروسى ويعد تهديدًا لن تقف روسيا صامتة تجاهه، إلا إن الرئيس الأوكرانى لم يعبأ بذلك، وواصل سعيه بطلب الانضمام للحلف المر الذى جعل روسيا تتحرك باتجاه الجماعات الانفصالية لاتخاذها ذريعة لاجتياح أوكرانيا وتوصيل رسالة إلى الغرب أنها قادرة على حماية أمنها القومي.

ثالثًا: ظل الغرب (الاتحاد الأوروبي) يتخذ موقفًا يؤكد فيه على دعمه ل أوكرانيا ضد روسيا، لكنه فى الحقيقة كان يدرك أنه غير قادر على المواجهة مع روسيًا منفردًا فكان دائمًا ينتظر القرار الأمريكى للتحرك بناءً عليه، واستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية توجيه القرار الأوروبى وفق الوجهة التى قررتها، وهو استنزاف روسيا اقتصاديًا بدلًا من الدخول فى عملية مواجهة مسلحة معها.

رابعًا: استطاع الإعلام وموقع السوشيال مييديا أن تحجز لها مكانًا فى تلك الحرب، فكان دورها الأساسى والأهم هو الحرب النفسية والتأثير على الطرف الآخر، وهو ما جعل أوروبا بالكامل توقف بث المواقع والقنوات الروسية، بل وحظر الصفحات الداعمة لروسيا على السوشيال ميديا فى نطاق دول الاتحاد الاوربي.

فى الوقت ذاته حرص الرئيس الأوكرانى على استخدام صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى فيس بوك وموقع التغريدات القصيرة تويتر ليكونا بمثابة منصة تواصل إعلامي.

كما حرصت وسائل الإعلام الغربية والأمريكية على دعم أوكرانيا فى مواجهة روسيا، الأمر الذى جعل موسكو تعمل على تفنيد ما تراه أكاذيب يطرحها الجانب الأوكرانى أو الغربى فى وسائل الإعلام.

(3)

لكن بعد مرور تلك الفترة من الحرب وعدم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين برعاية بلاروسيا علينا أن ندرك أن طرفى الصراع سترتفع فاتورة خسائرهما كلما طال أمد الحرب.

كما أن الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت أن توصل رسالة مهمة وبشكل عملى وعلى أرض الواقع، وهى أن دول أوروبا غير قادرة على مواجهة المخاطر الناشئة عن الطموح الروسي.

وهكذا أسقطت الولايات المتحدة المشروع الذى نادت به فرنسا من قبل عام 2018 بإنشاء جيش أوروبى موحد لحماية أوروبا من المخاطر والتهديدات التى قد تتعرض لها.

كما دفعت الولايات المتحدة بموسكو إلى منعطف إن طال أمده فسيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الروسى خلال الفترة القادمة، بل قد يهدد الاقتصاد الروسى بالانهيار رغم قوته فى ظل حصار قوى فرضته الولايات المتحدة وحلفائها.

وسيكون الفخ الحقيقى الذى سقط فيه الدب الروسي، فى ظل تقدم «مولدوفا» بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوربى وهو ما يجعل دائرة الأزمة تتسع أكثر فأكثر، مما يستوجب من روسيا أن تعى أين تضع قدمها.

وإذا كانت القدرات العسكرية والقتالية لدى موسكو تمنحها القدرة على الاستمرار فى المواجهة، فأن طول أمد المعركة يكلف الاقتصاد الروسى الكثير فى ظل العقوبات الدولية المفروضة عليه.

أما أوكرانيا فستخرج من تلك المعركة بأكبر خسارة من تلك التى كانت ستتكبدها لو ظلت بعيدة عن الانضمام للاتحاد الأوروبي.

فى الوقت الذى ينشغل العالم بالحرب فى شرق أوروبا تواصل مصر تحركها نحو بناء دولتها الحديثة ومواجهة التحديات والسير باتجاه خلق مستقبل أفضل لأبنائنا.

فقد كان إطلاق المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية أحد الخطوات المهمة نحو الارتقاء بجودة الحياة المواطن، والذى سبقته المبادرة الرئاسية «حياة كريمة».

جاء المشروع ليلفت الانتباه إلى قضية من أهم وأخطر القضايا التى تواجهها الدولة المصرية خلال الفترة الحالية، وتعد أحد المسارات التى تلتهم مخرجات التنمية.

إن التعامل مع قضية الزيادة السكانية وضرورة تكاتف الجميع لمواجهة هذا التحدى بات أمرًا حتميًا فى ظل النمو السكانى الضخم خلال السنوات العقد الأخير.

أضف تعليق