تحتفل محافظة جنوب سيناء بعيدها القومى يوم 19 مارس من كل عام يوم رفع العلم المصرى على طابا وفى إطار هذا يرصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار تاريخ سيناء منذ عصور ما قبل التاريخ حتى رفع العلم المصرى على طابا مشيرًا إلى أن سيناء لها خصوصية استراتيجية وأمنية وتنموية خاصة باعتبارها من أهم أقطاب التنمية فى مصر، والمستقبل سينطلق من سيناء، وسيناء معناها اللغوى حجر أو بلاد الأحجار وسميت سيناء لكثرة جبالها ولأن جبالها تأخذ شكل الأسنّة جمع سنان، والسنان نصل الرمح وهذا ما يلاحظ بالطائرة على جبال سيناء.
ونوه الدكتور ريحان إلى آثار الإنسان السيناوى الأول والتى تجسّدت فى مبانى حجرية يطلق عليها أهل سيناء النواميس، وأثبتت الدراسات المختلفة أنها تعود إلى عصر البرونز المبكر، ويعتقد أنها آثار خاصة بسكان سيناء الأصليين فلقد كشف عالم الآثار البريطانى بالمر عام 1869 عن مجموعة من هذه النواميس قرب عين حضرة ( طريق كاترين – نويبع) وقرب نويبع وقد عثر بها على رؤوس سهام ودبابيس نحاس، وكشف روزنبرج عام 1967 عن مجموعة أخرى قرب عين حضرة، وهذه النواميس تشبه خلايا النحل متجمعة وشكلها دائرى يتراوح قطرها ما بين 2.5 إلى 4م وارتفاعها 3م، مبنية من بلاطات مسطحة كبيرة من أحجار غير منحوتة ويرجّح بالمر أنها معسكرات محصنة لأقوام يعتمدوا على رعى الأغنام استخدموا المساحات المفتوحة بين هذه الدوائر للأغنام والقطيع
ولفت الدكتور ريحان إلى أن قدماء المصريين حرصوا على إرسال البعثات لتعدين الفيروز والنحاس بسيناء منذ عهد الدولة القديمة، وبعد ذلك عدّنوا الفيروز فى سرابيط الخادم والنحاس فى وادى النصب الغربى وكانوا يستخدمون ميناء أبو زنيمة عند التوجه إلى سرابيط الخادم ، وميناء أبو رديس عند التوجه إلى وادى المغارة .
ففى الأسرة الرابعة (2613- 2498 ق.م.) أرسل الملك سنفرو بعثات إلى وادى المغارة لإحضار الفيروز والنحاس وهناك نقوش بوادى المغارة عن هذه البعثات وقد اعتبر المصريون سنفرو حاميًا لهذه المنطقة بجانب الإلهة حتحور والإله سوبد والسبب فى ذلك ما قام به من أعمال لتأمين حدود مصر الشرقية وأرسل خوفو بعثات إلى وادى المغارة لإحضار الفيروز وتوالت الحملات بعد ذلك
ويمثل طريق سيتى الأول المعروف بطريق حورس أهم الطرق الحربية فى العالم وقد استخدمه المصريون القدماء عند غزوهم لآسيا كما استخدمه كل من أتى لمهاجمتها على مر العصور وكان يعرف باسم " طريق حورس " لأن حورس كان النعت الذى يلقب به كل فرعون وكثرًا ما سارت عليه الجيوش المصرية القديمة إلى آسيا، وقد قامت على طول هذا الطريق الحصون المصرية وبخاصة فى المناطق الاستراتيجية الهامة لتكون مركزًا لبعض الجنود المكلفين بحراسة الطريق ومخازن لما تحتاج إليه الجيوش، وكانت تلك الحصون فى المناطق التى يتيسر بها وجود الماء وكان يبدأ من قلعة ثارو ( موقعها تل أبوصيفة 2كم شرق مدينة القنطرة شرق حالياً) ويتجه إلى تل الحير شمالًا ثم بئر رمانة (قرب المحمدية) ثم يتجه نحو قطية ومنها للعريش ثم الشيخ زويد إلى رفح وطول هذا الطريق 150كم
وأشار الدكتور ريحان إلى ارتباط سيناء بتعانق الأديان والحضارات فهى تضم الإثنتا عشرة عينًا التى تفجرت لنبى الله موسى وبنى إسرائيل }وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا إضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه إثنتا عشرة عينًا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين{سورة البقرة آية 60 وهذه العيون موجودة حتى الآن بسيناء 35 كم من السويس وتمت بها أعمال ترميم وتحليل لمياه الآبار وقد ثبت عذوبة مياهها، كما تضم شجرة العليقة الملتهبة الذى ناجى عندها نبى الله موسى وجبل موسى الذى تلقى عليه ألواح الشريعة والجبل المقابل له وهو جبل التجلى والذى تجلى عليه سبحانه وتعالى حين طلب نبى الله موسى رؤية المولى عز وجل فدك الجبل وهناك ظواهر جيولوجية تؤكد المعجزة
وتابع الدكتور ريحان بأن تاريخ سيناء ارتبط أيضًا بمملكة الأنباط التى اتخذت البتراء عاصمة لها فى القرن الرابع قبل الميلادى، وتحكم الأنباط فى منطقة النقب بسيناء وذلك لتأمين الطريق التجارى من البتراء مخترقة النقب إلى غزة أو العريش وكان للأنباط طريق بسيناء من أيلة (العقبة حاليًا) على رأس خليج العقبة إلى ميناء دهب ومنها بريًا إلى وادى فيران مارًا بجبل موسى إلى رأس سدر وعيون موسى حتى ميناء القلزم (السويس) ثم برًا إلى نهر النيل ومنه للإسكندرية لتبحر إلى أوروبا.
وقد استخرج الأنباط الفيروز من وادى المغارة والنحاس من وادى النصب بسيناء وتركوا نقوشًا عديدة فى أودية سيناء مثل وادى المكتب، وادى أجلة فى محيط وادى فيران ووادى عرادة وهضبة الدفادف وهضبة حجاج بين كاترين ونويبع ودهب ووادى طويبة ووادى أم سدرة بين طابا والنقب وتشتمل هذه النقوش على كتابات تذكارية وأسماء عديدة كما تم الكشف عن مركز تجارى ودينى للأنباط بقصرويت بشمال سيناء، ولم يختفى الأنباط من مصر ولا من أى مكان أخر بالأردن وفلسطين بانتهاء مملكتهم على يد الإمبراطور الرومانى تراجان عام 106 م وظلوا فى أماكنهم السابقة مندمجين فى ثقافة وديانة البيئة المحيطة بهم.
وأوضح الدكتور ريحان أن العائلة المقدسة عبرت سيناء فى طريقها إلى مصر من بيت لحم إلى الخليل ثم بئر سبع فسيناء بالطريق الساحلى شمال سيناء وبدأت حركة الرهبنة بسيناء فى القرن الثالث الميلادى وساعد على انتشار الرهبنة بسيناء قدسية المكان من وحى الله عز وجل لموسى عليه السلام بالإضافة لطبيعة المكان المنعزلة المناسب لحياة الرهبنة وتوفر مصـادر المياة من عيون طبيعية وآبار وأمطار وأنشأت الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطــور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادى برجـين وكنيسة عند شجرة العليقة، وانتشرت القلايا فى عدة مناطق بسيناء منها وادى الأعوج وأبو صويرة بطور سيناء ومنطقة جبل حمام فرعون ومنطقة سانت كاترين وجبل الطاحونة بوادى فيران
وفى منطقة وادى فيران التى تبعــد 50كم شمــال غرب دير سانت كاترين تأسست أبرشية منذ القرن الرابع الميلادى وبنى الإمبراطور جستنيان دير طور سيناء فى القرن السادس الميلادى وخصص للعذراء مريم وفى القرن التاسع الميلادى أطلق على الدير دير سانت كاترين تخليدًا لذكرى القديسة كاترين بعد أن عثر أحد الرهبان على بقايا جثامينها فوق أحد جبال سيناء الذى سمى باسمها فيما بعد وهو أعلى جبال سيناء2639م فوق مستوى سطح البحر، كما بنى دير الوادى بقرية الوادى بطور سيناء فى طريق الحج المسيحى، وبجزيرة فرعون ب طابا كشفت بعثة آثار منطقة جنوب سيناء عن كنيسة بيزنطية، كما تجمع عددًا من الرهبان حول مصادر المياه بشمال سيناء ولقد كشف عن العديد من الآثار المسيحية من أديرة وكنائس بشمال سيناء.
ولفت الدكتور ريحان إلى انتشار الآثار الإسلامية بسيناء منها المنشئات الدينية مثل الجامع الفاطمى داخل دير سانت كاترين ومسجد على قمة جبل موسى ومسجدين بوادى فيران ومسجد قاطية والمساجد داخل القلاع، والمنشئات الدفاعية مثل القلاع التى حمت مصر من أخطار الحملات الصليبية كقلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون ب طابا وقلعة الجندى برأس سدر وقلاع حمت طريق الحجيج عبر سيناء إلى مكة المكرمة مثل قلعة نخل بوسط سيناء وبرك وآبار للمياه ومنشئات مختلفة لخدمة الحجيج عبر وسط سيناء علاوة على قلاع شمال سيناء، كما شملت الموانيء البحرية مثل ميناء الطور المملوكى الذى خدم حركة التجارة بين الشرق والغرب عبر سيناء، كما شملت منشئات من عصر أسرة محمد على مثل النقطة العسكرية المتقدمة بنويبع وهى أقدم مركز بوليس بسيناء ومصر عامة وقصر عباس ومساكن عباس بسانت كاترين
واختتم الدكتور ريحان بمراحل استلام مدن سيناء بعد انتصار أكتوبر 1973وتوقيع اتفاقية كامب دافيد فى 26 مارس 1979وبدأت مراحل استعادة أرض سيناء، 25 يوليو 1979 تم استعادة الساحل الشمالى حتى العريش ومن رأس محمد حتى أبو دربة، 25 سبتمبر 1979 من أبو دربة حتى أبو صير، 25 نوفمبر 1979 عادت سانت كاترين، 25 نوفمبر 1979 من أبو صير حتى رأس محمد، 25 يناير 1980 تم استعادة المضايق بوسط سيناء والمنطقة شرق المضايق من العريش حتى رأس محمد، 25 أبريل 1982 رفح وشرم الشيخ، سبتمبر 1988التحكيم فى المنطقة المتنازع عليها فى طابا، مارس 1989 انسحاب إسرائيل من طابا، 19 مارس 1989 رفع العلم على طابا .