الأم بين الواقع والشاشة !

الأم بين الواقع والشاشة !محمد رفعت

الرأى21-3-2022 | 08:19

كثيرة هي الأفلام التي تتناول قصصًا وموضوعات تتعلق بالأم، ومع ذلك فلم أجد صورة أمي فى أي من هذه الأفلام.

فأمي - رحمها الله - لم تكن ضعيفة ومستسلمة مثل "الست أمينة" فى ثلاثية أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ والتي تحولت إلى ثلاثة أفلام أخرجها الراحل حسن الإمام، وجسدت دورها الفنانة القديرة "آمال زايد".

ولم تكن أمًا متسلطة مثل سناء جميل فى بعض الأفلام والمسلسلات، ولم تكن أمًا شعبية مثل فردوس محمد، أو عصرية مثل ليلى طاهر، ولم تكن نموذجا للحزن والتضحية كما شاهدنا الراحلة العظيمة أمينة رزق فى عشرات الأفلام.

أمي كانت سيدة عادية جدًا مثل ملايين الأمهات فى بلدنا ممن لا ترى السينما فى حيواتهن ما يستحق أن يُروى فى دراما تركز فقط على النماذج الغريبة عن مجتمعنا وتقدمها وكأنها حياة كل الناس، ورغم التعاطف الشديد مع صورة الأم البائسة التي برعت فى تجسيدها أمينة رزق، إلا أننا نعرف جيدًا كمشاهدين، أنها ليست أمًا حقيقية من لحم ودم، بل هي أم ميلودرامية من النوع الذي اشتهر مخرج الروائع حسن الإمام بتقديمه لاستدرار دموع المشاهدين.. لكنها فى النهاية صورة مصنوعة من أجل العرض على الشاشة، مثلها مثل صورة الأم الخارجة على قواعد وأعراف المجتمع وجسدتها نبيلة عبيد ونادية الجندي وأحيانًا يسرا وإلهام شاهين على الشاشة!

والحقيقة أن الأم العاملة الصحفية والطبيبة والموظفة والمدرسة والمهندسة ليست أيضا كما تقدمها نجمات السينما، ونحن نعرف جيدًا أيضًا أن ما يقدمونه عنها ليس سوى شطحات مؤلفين يستسهلون تقديم النماذج الجاهزة والمعلبة.

والسينما المصرية ظلمت الأم بهذا الفصل التعسفى بين الأم البلهاء والأم القاسية والمنحرفة.. ولا شيء فى المنتصف.. لا شيء عادي أو طبيعي فى حياة الناس يستحق أن يحكى أو يحاكى.

وعموما فهذه هي عادة الدراما المصرية التي أتمنى أن تعدمها.. فلا الفلاح على الشاشة هو الفلاح الذي نعرفه، ولا الصعيدي هو الصعيدي، ولا الجزار لا يزال يرتدي الجلباب الملطخ بالدماء ويرفع الساطور فى وجوه الناس، ولا الحرفيون يتحدثون ويتصرفون مثلما يتصرف ويتكلم السباك والميكانيكي والنجار فى الأفلام والمسلسلات، ولا الصحفيون كما نراهم فى السينما، ولا الأطباء أصبحوا يقولون لأحد إنهم عملوا ما عليهم والباقي على الله كما اعتدنا أن نشاهده فى أعمالنا الفنية التي لا تمت للواقع بصلة.

ولا أعرف لماذا يصر كُتاب السيناريو على هذه القوالب الجامدة وهذا التنميط والتزييف للواقع والشخصيات أو إلى متى سيستمر ذلك؟!

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2