أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أن الأمانة أحد ترجمات الإيمان في السلوكيات العامة، وأن رسالة الأنبياء جميعًا تقوم على الوفاء بها، وأن الإيمان يجب أن يُتَرجم في حياتنا إلى سلوك، وأن الصيام يجب أن يُقَّوِّمَ سلوكنا.
وأضاف - في تصريح اليوم الثلاثاء - عندما طاف سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) بالبيت فقال له أحد الناس ما أسرع ما طفت يا ابن عمر ، فقال: أنتم أكثر منّا طوافًا وصيامًا، ونحن خير منكم بصدق الحديث وأداء الأمانة، وإنجاز الوعد، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "اضمَنوا لي سِتًّا من أنفسِكم أضمن لكم الجنَّةَ : اصدُقوا إذا حدَّثتم ، وأوْفوا إذا وعدتم ، وأدُّوا إذا ائتُمِنتم ، واحفَظوا فروجَكم ، وغُضُّوا أبصارَكم ، وكُفُّوا أيديَكم" ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : "لا إيمانَ لمن لا أمانةَ لهُ ، ولا دِينَ لمن لا عهد له" ، موضحًا أن الإيمان والأمن والأمانة من أصل واحد وهو الأمن ، فلا أمن بلا إيمان ، ولا إيمان بلا أمانة ، وإذا ذهبت الأمانة حدث اضطرابٌ مجتمعيٌ كبيرٌ ، وقلق ، أمّا الأمانة فتحقق الطمأنينة للجميع ، حتى إن نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : "أدِّ الأمانةَ إلى منِ ائتمنَكَ - ولو كان عدوًّا؟ ، ولو كان عدوَّا - أدِّ الأمانةَ إلى منِ ائتمنَكَ ولا تَخُنْ مَن خانَكَ".
وتابع وزير الأوقاف قائلًا: ضرب لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أروع المثل في أداء الأمانة عند الهجرة، كان الكفار قد آذوه، وآذوا أصحابه، وسَطَوا على أموالهم، واجتمعوا على قتله، ومع ذلك عندما خرج (صلى الله عليه وسلم) من مكة مهاجرًا إلى المدينة، ترك الإمام عليًّا (رضي الله عنه) ليرد أمانات الكفار والمشركين الذين كانوا يتتبعونه (صلى الله عليه وسلم) محاولين قتله، ولم يَسْتَحِلَّ أيَّ شيءٍ منها، لا لنفسه ( صلى الله عليه وسلم )، ولا لأصحابه، وقال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: "أدِّ الأمانةَ إلى منِ ائتمنَكَ ، ولا تَخُنْ مَن خانَكَ" ، ويقول الحق سبحانه : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ" ، الأمانة جزء من إيماننا ، ومن عقيدتنا ، نؤديها للصديق ، وللصاحب ، وللعدو ، حتى من خانك وجب عليك أن لا تقابل خيانته بخيانة ويقول سبحانه: "وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ" ، أَعلِمهُم بحل العهد الذي بينك وبينهم ، لا يجوز للإنسان أن يخون الأمانة تحت أي شكل من الأشكال ، أو ظرف من الظروف ، أو موقف من المواقف ، ورسالة الأنبياء جميعًا قامت على الأمانة ، الأمانة سواء في رد الأمانات ، الأمانة في الكلمة ، فالكلمة أمانة ، والمال عندك أمانة ، ومن استودعك وديعة فهي أمانة ، وأمانة التبليغ والدعوة أمانة ، والنصيحة أمانة ، والمستشار مؤتمن ، والسِّرُّ أمانة ،.
وأوضح وزير الأوقاف أن الأمانة ليست في المال فقط ، من أودع عندك مالاً ، أو وديعة ، سواء كان مالًا نقديًا ، أو بأي شيء من عرض الدنيا فهو أمانة ، يقول سبحانه : "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" ، ومن أَسَرَّ إليك بِسِرٍّ فهو أمانة ، وإذا حدَّثَ الرجل بحديث ثم التفت كأنه ينظر هل هناك من يسمع فهو أمانة ، ومن استنصحك بنصيحة كان واجبًا عليك أن تنصحه بالصدق ، وهي أمانة ، وإذا كنت تبلغ بالحق ، أو تدعو إلى الله فالدعوة أمانة ، وهي صفة الأنبياء والمرسلين ، يقول سبحانه: "كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ" ، هذه هي رسالة نوح ، وهي أيضًا رسالة هود (عليه السلام) ، حيث يقول سبحانه: "كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ" ، وهي أيضًا رسالة سيدنا صالح (عليه السلام) ، حيث يقول سبحانه: "كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ" ، وهي أيضًا رسالة سيدنا لوط (عليه السلام) ، يقول سبحانه: "كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ" ، وهي أيضًا رسالة سيدنا شعيب (عليه السلام) يقول الحق سبحانه: "كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ" ، ويقول سبحانه: "وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ".
وأكد وزير الأوقاف، أن كل الرُّسُل حَمَلُوا الأمانة ، وحُمِّلُوها ، وأدوها ، ونشهد أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) بلَّغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح للأمة ، وكشف الله به الغمة ، هذه رسالة الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) قائمة على الأمانة في القول ، والعمل ، أداها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بلاغ رسالته أمينًا صادقًا ، لقبوه منذ صغره وقبل بعثته بالصادق الأمين ، لقبوه بذلك وهو لا يزال صبيًّا ، لقب بالصادق الأمين ، وعُرِف بالصادق الأمين ، ولما خرج مهاجرًا أدى الأمانة ، حتى أمانات الأعداء ترك الإمام عليًّا ليؤدي الأمانات إلى أصحابها ، يقول سبحانه: " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" ولم يقل (سبحانه وتعالى) يفعلون ، وكأنه يتعاهد هذه الأمانة ويحافظ عليها من أن تتلف أو أن تُسرق أو أن تفسد بل يحافظ عليها كما يُحافظ على أمواله وأشد ، "وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" ،.
وشدد وزير الأوقاف على أنه لا يمكن أن يوصف الخائن بأنه مؤمن حيث يؤكد نبينا (صلى الله عليه وسلم) : " لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له ، ولا دينَ لمن لا عهدَ له ، لأن الأمانة إذا ذهبت ذهب الأمن المجتمعي وشك الناس بعضهم في بعض وارتاب بعضهم في بعض وحدثت القلاقل ، نريد الأمانة ، الأمانة في الأقوال ، الأمانة في الأفعال ، الأمانة في البيع ، الأمانة في الشراء ، الأمانة في الصَّنْعَة ، الأمانة في العمل ، فالصائم الذي يراقب الله (عز وجل) لا يمكن أن يكون خائنًا ولا يمكن أن يكون كذابًا ، لأن عدم الأمانة من صفات المنافقين ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : " آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ " ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وإذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ" وفي رواية " وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ " ، وجميع الأحاديث الثابتة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في صفات المنافقين ، ووصف المنافقين تجعل خيانة الأمانة من أهم علامات وصفات المنافقين ، أما الحفاظ على الأمانة ، يقول الحق سبحانه : "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا" لعظم الأمانة "وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" ، نسأل الله أن يعيننا على الوفاء بأمانة التكاليف ، وأمانة القول ، وأمانة العمل ، وأمانة الفعل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.