ساعات قليلة حاز بعدها ياسر جلال صدارة المشهد في دراما رمضان، أجبرنا على تأمل أدائه المتفوق على نفسه، صحيح أنه موهوب ودارس وأخذ وقته حتى نضج فاستحق القيام بأدوار البطولة المطلقة، إلا أنه كان دائمًا في تقديري من المصنفين بموهبة أكبر كثيرًا من حجم إنتاجها، دائمًا أردد أن القدرات على اختلافها وتنوعها منحها الخالق عز وجل إلى الجميع، حتى أننا ارتقينا بأنفسنا فأصبحنا نطلق على المختلفين ذوي الهمم أو ذوي القدرات الخاصة، كما أن الفرص تُحاوط الجميع أيضًا في كل وقت، بدليل أنه في نفس الظروف التي يفشل فيها البعض يحقق آخرون النجاح، الدافع فقط إذًا هو الفيصل في الإنجاز.
ولأن استمرارية ياسر جلال بخطوات متأنية في السنوات الأخيرة تؤكد حجم الدافع داخله، منحته الأقدار فرصة العمر في مسلسل هو في واقع الأمر وثيقة تاريخية، هكذا نشاهد جميعًا "الاختيار" على مدار ثلاثة مواسم، نستعيد من خلاله أحداثًا عايشناها على أرض الواقع، وتركت فينا ما تركت من آلام وآمال، آلام أيام مُرَة لم تخرج ملامحها عن سمات الغدر والخسة والخيانة في أقسى صورها، وآمال أمة في مستقبل أفضل لأبنائها بعدما استردت وعيها من على حافة الهاوية، فإذا كان "الاختيار 3" يوثق أخطر 96 ساعة في تاريخ مصر، فلا أبالغ إذا أكدت أنها بالمثل أخطر 96 ساعة في تاريخ ياسر جلال الفني.
امنحني بعض الوقت لأطرح رؤيتي، جاء ياسر جلال في الموسم الثالث من "الاختيار" ليواجه تحدي نجاح المسلسل الكبير في الموسمين السابقين، ومعه تحدي تألق النجوم أمير كرارة مجسدًا شخصية الشهيد البطل أحمد منسي في الموسم الأول، وكريم عبد العزيز وأحمد مكي وإياد نصار في الموسم الثاني، ثم تحدي مشاركة كريم عبد العزيز وأحمد السقا وأحمد عز بطولة الموسم الثالث، ومعه تحدي ترقب الجمهور أحداث الموسم الثالث العاصفة المفصلية في تاريخ مصر الأحدث، ولم يكن التحدي الأكبر أمام ياسر جلال بجوار كل هذه التحديات، سوى أن يجسد شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية حاليًا، وبطل "الاختيار 3" واقعيًا على الأرض.
فإذا لم يكن ياسر جلال على قدر هذه التحديات، كان اعتذر وانسحب بكل هدوء، ولعل مدخل تفوقه السريع الحاسم بالضربة القاضية بلغة الملاكمة، أنه أخذ الخطوة بثقة قبل أن يجتهد في دراسة الشخصية بكل هذا العمق في أدق التفاصيل، التفاصيل دائمًا هي صانعة النجوم في أي مجال، وواضح جدًا قدر ما بذله من مجهود في التدريب حتى وصل بأدائه إلى هذا الحد من التقمص، وهو ما أتى واضحًا وضوح الشمس في الصوت بالتون المختلف من مشهد لمشهد، دور المكياج المعتاد لا ينفي كفاءته، ولغة الجسد وارد تحققها في معظم الأحوال، لكن الصوت منح ياسر جلال العلامة الكاملة في أداء الشخصية.
كادت الدهشة أن تأخذ بعقول المشاهدين بعيدًا عن جدية المشاهدة مع إطلالات ياسر جلال المُبهرة المتتابعة بالمسلسل، فكان لابد من التوقف بكم متأملين تقديرًا لطاقة إبداعية هائلة، أطلقها ياسر جلال في "الاختيار 3" مجسدًا شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو أمر في حد ذاته لو تعلمون عظيم، إذا ما أخذنا في الاعتبار أنه لأول مرة يتم تقديم شخصية رئيس جمهورية مصري في عمل فني بهذه المساحة في حياته وأثناء ولايته، وهي نقطة تحول هامة في تاريخ الفن المصري لا يصح أن تمر دون توثيق، وتُحسَب أول ما تُحسَب لشخص الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه، أما الشركة المتحدة فالحديث عنها يطول.