الدعاء عبادة لا تعرف الفردية

الدعاء عبادة لا تعرف الفرديةحسين خيرى

الرأى2-5-2022 | 19:24

يثور غضبًا مهما كانت درجة قرابته لك عندما تلح عليه فى تلبية طلبك، وخالق الكون يطيب له إلحاح عبده إليه، ويكتب الله العاصي على الدعاء إليه فى قائمة المتكبرين عن عبادته، كما جاء فى قوله تعالى: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ"، ومن عظمته حث العباد على اللجوء إليه، أما الذي يولي وجهه عنه جعله ذليلاً مهانًا.


ووثق المولى علاقة طاعته بالدعاء إليه، لأنه برهان خضوع العبد إلى قدرته المطلقة، ولذا أقر الرسول صل الله عليه وسلم بأن الدعاء هو العبادة، فمن يسأل الخالق فهو عابد له،وكل عابد من يؤدي عبادات الصلاة والصيام والزكاة وغيرها، أي أن كلمة الدعاء الواردة فى القرآن الكريم تجمع كلا المعنيين من سؤال وعبادات.


والإلحاح فى الدعاء كان رسولنا الكريم أول من سلكه طريقا له، وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: "لما كان يوم بدر مد يديه، فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد فى الأرض"، فما زال يهتف بربه، مادًا يديه مستقبلاً القبلة، حتى سقط رداؤه على منكبيه، فأنزل الله عز وجل قائلاً: "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ".


ويكاد يكون الدعاء من أفضل العبادات، لما يحظى من افتقار وتسليم للواحد القهار، وقال عنه النبي صل الله عليه وسلم: "ليس أكرم على الله عز وجل من الدعاء"، وكان عمر بن الخطاب لا يحمل خوفا من إجابة دعائه، إنما همه كيفية دعائه، وقال رضي الله عنه: "فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه".


ودعاء المؤمن لا يرد، فإن الله حي كريم يستحي أن يرجع يد عبده صفر اليدين، وكيف لا يجيب سؤال عبده، وهو يخضع ذليلا إليه، ويتبرأ فيه من حوله وقوته صادقا النية، ويستغيث بقوة القادر، فإذا سأل فيسأل الله، وإذا استعان فيستعن بالله، وليس لنا غنى عنه، ولولا توفيقه عز وجل ما كان لنا من وجود.


وخير البشر دأبوا على الدعاء، وكان طريقهم الوحيد إلى الله، ووصف المولى تعالى أنبياءه: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"، وأول من دعاه أبونا آدم عليه السلام، واستجاب لهم جميعا ونجاهم وآتاهم من لدنه رحمة.


والدعاء السبيل المباشر للحوار مع الله فليس أمامه أبواب مغلقة ولا وسطاء، ولم يحدد المولى موعدا لسؤاله، ولم يقتصر بالدعاء على الذات، إنما حث المسلم على دعائه لأخيه بظهر الغيب، ولهذا كانت دعوته مستجابة، إن من ثوابت العبادات رفض الفردية والأنانية والحرص على الجماعة.

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2