في حي الحلمية لم يولد عادل إمام وفي فمه ملعقة من ذهب، فلم يكن ابنا لأسرة غنية، أو يشغل أفرادها المناصب العليا، بل كان ابنا لعائلة بسيطة نزحت من قرية صغيرة قرب المنصورة، وجاءت للقاهرة في أوائل الثلاثينات، فكان والده صول بالشرطة، أما والدته فكانت سيدة بسيطة لا تعرف القراءة والكتابة، وكان عادل ابنهم الأكبر، بالإضافة لعصام الأوسط، ثم الابنة الصغرى إيمان.
ولد عادل إمام في 17 مايو عام 1940 في حي السيدة عائشة، وعاش هناك بضع سنوات، حتى انتقلت أسرته للحلمية التي شهدت فترتي صباه وشبابه، ولم تكن الحلمية مجرد مكان يعيش فيه، بل مثلت جزءً مهمًا في حياته، فكما يقول في حوار قديم " في الحلمية كنت عايش وسط الناس، أما ولية حاتولد نجري نجيب الداية، لما تحصل حريقة ندخل فيها ونطفي النار لغاية ما تيجي عربية المطافي، لما حد يعاكس بنت من بنات الحتة ناكله بأسناننا، ولما حد يموت ومعندوش مصاريف جنازة نجمع قرشين، كنت عايش تفاصيل حياة الناس اليومية".
لم يكن عادل إمام طفلا مدللا، بل كان والده قاسيا في معاملته له بسبب شقاوته الشديدة سواء في الحي أو المدرسة، وكان الضرب المبرح جزاء لأي خطأ يرتكبه، فيقول " أبويا كان بيشتغل في البوليس، لو صوتي قلق ودانه ألقى الأقلام على وشي عدل مفيش فصال، وأفضل أعيط، وأصعب على أمي، وتقوله كفاية يا حاج، كفاية الواد حيسورق، مفيش فايدة".
التحق عادل إمام بمدرسة الحلمية الابتدائية، ولم يكن تلميذا متفوقا، فكان يكره المواد التي يدرسها، ماعدا مادة التاريخ التي كان يعشقها، وقد اشتهر في المدرسة بخفة الدم الشديدة، وتقليده لأصدقائه ومدرسيه، فيقول " كنت أترازل على خلق الله، واقلدهم بطريقة ساخرة، وأتعمد تلوين صوتي والاهتمام بالأداء وأنا أقرأ بعض النصوص أو القصص المقررة علينا، وقد تعلقت بهذه الطريقة من خلال الأستاذ مسعود مدرس اللغة الإنجليزية الذي كان يطلب منى أن أقوم بقراءة القصة، والتعبير عن حوار كل شخصية بطريقة مختلفة، وكان الأستاذ مسعود من أوائل اللذين لفتوا نظروا إلى موهبة التمثيل، وشجعني عليها بشكل غير مباشر، لمجرد أنه كان يضحك جدا من طريقة أدائي".
وعلى الرغم من أن عادل إمام كان يثير ضحك من حوله، إلا أن ذلك سبب له ألما نفسيا في البداية، لأنه تصور أن الناس تضحك عليه وليس منه، تضحك من شكله، ولا تضحك من ذكائه وظرفه، ولكنه أدرك بعد فترة أن ذلك لم يكن صحيحا، وكانت نقطة التحول في هذا الأمر، عندما تلقى تحية من الجماهير التي تجمعت في إحدى ساحات حي الحلمية، حيث وقف عادل يؤدي شخصية عسكري بريطاني من جيش الاحتلال يطارد أبطال المقاومة، وذلك من أجل رفع الروح المعنوية للشعب في أعقاب العدوان الثلاثي عام 1956، فيقول "**كان العسكري خائفا ومرتجفا ومثلت هذه الشخصية وأعطيتها جرعة ضخمة من الخوف، جعلت جمهور الساحة الشعبية يغرق في الضحك.. في هذه المرة سمعت لأول مرة صوت الضحك والتصفيق على شخصية اخرى غير شخصيتي الحقيقية"، وتلك كانت بداية عادل إمام الفنية.