شهد النزاع الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والذي اندلع في 24 فبراير الماضي، انتشارا مكثفا لقطع المدفعية بين الجيشين الروسي والأوكراني، والتي لعبت دورا متناميا في تحقيق توازن القوى في ساحات القتال، ولاسيما في ضوء ما تلقته أوكرانيا من أعداد متزايدة من قطع المدفعية بنوعيها المجرور وذاتية الدفع المحمولة على عربات كمساعدات قدمتها الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) لتعزيز قدرات الجيش الأوكراني في مواجهة الغزو الروسي.
ورأت مجلة "ميليتري ووتش" الأميركية أنه في الوقت الذي استثمرت فيه بعض البلدان بكثافة في حيازة وتصنيع منظومات تسليح مدفعية متطورة، مثل الصين وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، فإن تلك النوعية من الأسلحة لم تحظ بقدر كاف من الاهتمام والتقدير بين العديد من الدول الكبرى، ولاسيما في الغرب، استنادا إلى قناعات تؤكد أن القوة الجوية ستكون أكثر حسما في تحديد مصير الصراعات في القرن الحادي والعشرين.
ورغم أن روسيا استثمرت في تطوير جيل جديد من نظم المدفعية الآلية ذاتية الدفع، كمدفعية "كواليتسيا-إس في" عيار 152مم، فإنها دخلت الخدمة في الجيش الروسي بأعداد محدودة، وفي الوقت ذاته لم تترجم فيه الخطط الأمريكية لتطوير منظومات مدفعياتها المعمرة على أرض الواقع ولم تحرز أي تقدم حتى الآن.. ونتج عن ذلك، أن تُركت ساحات المدفعية لكل من الصين وكوريا الجنوبية اللتين تحولتا إلى أكبر لاعبين في هذا المجال، إذ تستخدم منصات ومنظومات مدفعية متطورة، مثل "نورينكو بي إل زد-05" الصينية، و"سامسونج كيه 9 ثاندر" الكورية القادرة على إصابة أهدافها على مدى يصل إلى 100 كيلومتر، لتحتل موقع الصدارة عالمياً بفارق مهم عمّا تليها من منظومات.
وألقت المجلة الضوء على الخلاصة التي اتفق عليها كل من وزيرة الجيش الأمريكية كريستين ورثموث، ورئيس هيئة الأركان الجنرال جيمس ماكنوفيل، في ردهما على سؤال طرحته لجنة خدمات التسليح في جلسة استماع لهما في الكونجرس في 12 مايو الجاري بشأن "ما هي المنظومات التي ستمكنكم من تحقيق النصر في معركة مثل تلك الدائرة في أوكرانيا؟، لافتة إلى أنهما قالا "إن المدفعية طويلة المدى عالية الدقة، والصواريخ التكتيكية ستكون ضرورية لتحقيق ذلك الهدف".
وظلت تلك المنظومات ذات أولوية جوهرية ضمن خطط تحديث الجيش الأمريكي، كما أن انسحاب واشنطن في عام 2018 من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى مهد الطريق أمام ضرورة حيازة صواريخ برية بمدى يفوق 500 كيلومتر لتكون مكملة لتسليح قوات المدفعية.
وتشير المجلة إلى أن الصواريخ التكتيكية الروسية، وأبرزها "إسكندر" و"كاليبر"، كانت من أكثر منظومات الأسلحة الروسية نجاحاً عند استخدامها في مهاجمة أوكرانيا، وهو ما أعطى موسكو تفوقا هائلا في ذلك المجال على القوات الأوكرانية التي افتقرت لمثل تلك الأسلحة.
ومن جهتها، أدلت تشكيلات البحرية الأمريكية بدلوها في هذا المضمار، مؤكدة أنها بحاجة إلى قطع مدفعية هجومية برية محمولة ذات مدى طويل وعالية الدقة، وبالأخص منظومات مدفعية مضادة للسفن يمكن نشرها على قطع البحرية، وأيضاً يمكن حملها وتحريكها مع الوحدات أثناء الهجمات البرية.
وترى "ميليتري ووتش" أن قدرة الولايات المتحدة بالتعاون مع رواد الصناعات الدفاعية المتخصصة في تصنيع منظومات المدفعية على سد ثغرات الأداء بالنسبة لمجالي تسليح المدفعية والصواريخ التكتيكية لازالت غير مؤكدة، بيد أنها توقعت أن ينالا الكثير من الاهتمام والتمويل خلال الفترات المقبلة في ضوء ما كشفته الحرب الأوكرانية من أهمية متصاعدة للجيوش بتوفير منظومات مدفعية متطورة عالية الدقة تدعمها صواريخ تكتيكية بعيدة المدى.