متى ستنتهى الحرب الروسية الأوكرانية؟ وكيف ستنتهى هذه الحرب التى أربكت الحسابات سياسيا واقتصاديا فى أوروبا؟ وما حقيقة الانقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين حول طريقة إنهاء الصراع والتعامل مع بوتين، كما أشارت عدة صحف عالمية مؤخرًا؟
أسئلة عديدة تُطرح فى ظل دخول الحرب الروسية الأوكرانية حالة من الجمود، وتوقعات كييف بأن يكون موعد انتهاء الحرب الروسية على أوكرانيا فى نهاية العام الحالى، حيث قال «فاديم سكايبيتسكى»، ممثل وكالة استخبارات الدفاع التابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية، إن «هذه الحرب ستستمر، سواء إلى سبتمبر، أو أكتوبر، أو حتى نهاية العام، وذلك يعتمد على مقاومتنا، وحالة قواتنا الدفاعية، والمساعدة التى تقدم لنا».
تسابقت العديد من الصحف العالمية فى وضع سيناريوهات لنهاية الحرب، وركزت على وجود «قلق» أوروبى من تصورات واشنطن لهذا الأمر، وفى هذا الإطار كشفت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية فى تقرير مطول عن غموض خطط الإدارة الأمريكية، بشأن سيناريوهات نهاية الحرب، التى تشنها روسيا ضد أوكرانيا، وسط قلق حلفائها فى أوروبا بشأن ما يوصف بأنه «هزيمة استراتيجية» لموسكو، أو صيغة «تسوية إقليمية»، ربما تشجع واشنطن، كييف على قبولها نهاية المطاف.
وذكرت الصحيفة أنه قبل فترة من بداية الغزو الروسى ل أوكرانيا فى فبراير الماضى، قدم الجنرال «مارك ميلى»، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، نظرة متشائمة للنتائج المحتملة، إذ قال خلال جلسة استماع مغلقة فى الكونجرس، إن إحدى النتائج المحتملة تتمثل فى سقوط العاصمة «كييف» فى غضون 72 ساعة، ولكن بعد 3 أشهر نجح خلالها الأوكرانيون فى صد الهجوم الأول على كييف، والحفاظ على مواقعهم فى حرب طاحنة جنوب شرقى البلاد، قدم ميلى رأيًا مختلفاً تماماً، حيث قال إن واشنطن ستواصل دعم الجهود الحربية الأوكرانية.
وأثارت النجاحات الأوكرانية فى ساحة القتال أجواء نشوة انتصار فى بعض أنحاء واشنطن خلال الأسابيع الأخيرة. وعلى النقيض من حالة «التشاؤم التى سادت فى الأيام الأولى من الصراع، يرى بعض السياسيين والمسئولين البارزين، أن هناك فرصة لتوجيه ضربة حاسمة لروسيا، لكن وراء هذه التصريحات المطمئنة، يوجد قدر أقل من الوضوح، بشأن ما تعتقد واشنطن أنه من الممكن وينبغى أن يحدث فى أوكرانيا، بحسب «فايننشال تايمز».
ورأت الصحيفة البريطانية، أنه توجد تفاصيل قليلة بشأن شكل الهزيمة الاستراتيجية لروسيا فى الواقع أو شكل التسوية الإقليمية التى قد تشجع الولايات المتحدة الأوكرانيين على قبولها فى نهاية المطاف، مع ذلك، أظهرت النقاط الداخلية التى ناقشها مجلس الأمن القومى الأمريكى، أن واشنطن تسعى إلى إقامة « أوكرانيا ديمقراطية، وذات سيادة، ومستقلة»، وتهدف إلى ضمان انتهاء الجهود الروسية للسيطرة على أوكرانيا بفشل استراتيجى.
وجاء أيضاً أن الولايات المتحدة تركز على تقديم أقوى دعم ممكن فى ساحة القتال لأوكرانيا، لضمان تمتعها بأكبر قدر ممكن من النفوذ على طاولة المفاوضات.
ووفقاً للصحيفة، تسعى إدارة بايدن لتحقيق توازن دقيق، إذ ترغب فى تقديم دعم عسكرى فعال إلى أوكرانيا مع تجنب أى انطباع بأنها تحاول دفعها نحو تسويات إقليمية نهائية من شأنها أن تخلق مشكلات سياسية فى كييف، وفى الوقت ذاته، تحاول الولايات المتحدة توحيد تحالف دولى لدعم أوكرانيا يضم بعض الحلفاء الأوروبيين، الذين أعربوا علناً عن قلقهم من تأثير استمرار الحرب على أوكرانيا ومجتمعها واقتصاداتهم، وخلال الأسابيع الأخيرة، أصدر قادة فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا بيانات تدعو إلى وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات للوصول إلى تسوية.
فى هذا الصدد، نقلت الصحيفة عن «ستيفانو ستيفانينى» السفير الإيطالى السابق لدى حلف شمال الأطلسى (الناتو)، قوله «الأوروبيون يتمنون لو أنهم عرفوا خطة اللعبة النهائية للولايات المتحدة، لأن فكرة خسارة روسيا أو عدم فوزها لم تُحدد بعد»، وأعرب ستيفانينى عن قلقه من عدم وضوح الأهداف النهائية، وتابع متسائلاً: «هل تتمثل فى العودة إلى وضع ما قبل 24 فبراير؟ هل تتمثل فى إعادة المكاسب الإقليمية التى حققتها روسيا فى عام 2014؟ هل تتمثل فى تغيير النظام فى موسكو؟ لا شىء واضح من ذلك».
فى نفس السياق، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن هناك انقسامات حول ما يمكن اعتباره نصرًا وإذا كان يعنى نفس ما يريده الأوروبيون والولايات المتحدة، والأهم من هذا ما يعنيه بالنسبة لأوكرانيا، وبعد ثلاثة أشهر من الوحدة الواضحة، وتدفق كم هائل من الأسلحة القاتلة، وأشكال أخرى من الدعم المالى والعقوبات الاقتصادية التى لم يتوقعها أحد من قبل، وعلى الأقل بوتين، هناك انقسام واضح حول ما يمكن عمله فى الخطوة المقبلة، وفى قلب النقاش حديث حول وقف المشروع الذى مضى عليه ثلاثة عقود لدمج روسيا فى المشروع الأوروبى، وفى الوقت الحالى تتحدث الولايات المتحدة عن روسيا كدولة منبوذة يجب أن تقطع عن العالم الخارجى، وفى المقابل تحذر أصوات أوروبية، وبشكل متزايد، من مخاطر عزل روسيا وإهانة بوتين. ويدور هذا الجدال فى وقت تتوسع فيه طموحات الولايات المتحدة، ففى اللحظة التى بدأت فيها الجهود لحرمان روسيا من نصر سهل على أوكرانيا، وبعدما ارتكب الجيش الروسى عددًا من الأخطاء فى حصاره لكييف، تحول إلى فرصة أمريكية لمعاقبة روسيا على عدوانها، وإضعاف فلاديمير بوتين، وتعزيز حلف الناتو، والتحالف العابر للأطلنطى، وإرسال رسالة للصين أيضا لتفكر مرتين قبل غزو تايوان.
ويندلع النقاش فى نفس الوقت الذى يتغير فيه شكل الحرب وبشكل سريع، فقبل أشهر كانت خطة بوتين هى السيطرة على كل أوكرانيا وفى أيام، وعندما فشل كل هذا سحب قواته من كييف وبدأ بالخطة «ب»، مركزًا على الجنوب والشرق، بعدما تبين أنه لن يسيطر على مدن مثل خاركيف وأدويسا، تتركز المعركة الآن على دونباس والتى حقق فيها بعض التقدم، وبخاصة فى ماريوبول، وبناء جسر مع شبه جزيرة القرم، وورقة النفوذ المهمة بيده هىالحصار البحرى لموانئ أوكرانيا التى تعد عصب الاقتصاد الأوكرانى لتصدير المواد الغذائية التى يعتمد عليها العالم، ورغم التقدم الذى حققته روسيا إلا أنه لا توجد أدلة عن نية لبوتين الدخول فى مفاوضات، حتى مع الآثار التى تركتها العقوبات، وحاجة روسيا للقطع العسكرية التى تريدها لصناعتها العسكرية.