قال الدكتور شوقى علام -مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم: "إن المجموعات الإرهابية لها أجندة خاصة لا يمكن أن تسير إلا من خلال تسويق لأفكار مغلوطة فى جملتها، حيث قاموا بِلَى عنق النصوص الشرعية واختطفوها لصالح مشروعهم".
وأضاف أن دار الإفتاء المصرية تتبعت فى كتابها "التأسلم السياسي" قضية هذه المجموعات المتطرفة وأفكارها، وانتهينا إلى أن هذه المجموعات استغلَّت الدين من أجل تحقيق أجندتها تحت غطاء ديني، ووجدنا أنها فشلت على مرِّ التاريخ وفى كل زمان ومكان، ولم نجد نجاحًا للتأسلم السياسي.
وأكَّد فضيلته، فى تصريحات تلفزيونية، أنَّ قضية بناء الإنسان هى ركيزة أساسية فى النص الشرعى والمسلك النبوى الشريف، وكل الأدلة القصد منها أن تحمى النفس الإنسانية، وذلك على عكس جماعات الإرهاب التى وجدنا أنها تستبيح الدماء تحت غطاء ديني.
وأشار إلى أن جماعات التطرف استعلَوا علينا وكأنهم شعب الله المختار وأخرجونا من الدين واستحلُّوا دماءنا وأموالنا بدعوى غياب الشريعة، واستصحبوا نصوصًا وفتاوى من كتب التراث كانت قد صدرت فى أزمان معينة، وفى سياقات محددة لا يجب أن نستدعيها إلى المستقبل.
وأضاف: "تتبعنا أفكار الجماعات الإرهابية من داعش والقاعدة والنصرة وبوكو حرام وغيرهم، ووجدنا أنَّ كل المجموعات و الجماعات الإرهابية المعاصرة وَفقًا لكلِّ الدراسات والأبحاث تعود فى أصولها إلى جماعة الإخوان".
وأوضح فضيلة المفتى أنَّنا لا نراجع النصوص الشرعية، ولكن نعيد فهمها مجددًا وَفقًا لمستجدات العصر والأحوال، وينبغى أن نقف أمام التراث موقف الاحترام لهذه الفهوم التى فهمت النصوص وَفق ظروفهم وأحوالهم، ثم نقف موقفًا آخر لإدراك هذه النصوص وَفق مقتضيات عصرنا. وللأسف، فإن الجماعات الإرهابية تعاملت مع التراث على أنه مسلَّمات لا يمكن تغييرها بغضِّ النظر عن السياق الذى جاء فيه.
وأكَّد فضيلة المفتى أنَّ القانون المصرى هو وسيلة لتطبيق الشريعة الإسلامية؛ لأنه لا يمكن وضع النص الشرعى موضع التطبيق إلا بهذا التقنين فى ظل الدولة الحديثة، وحتى تنضبط الأمور لا بدَّ من وجود نص قانون ملزم للجميع، موضحًا أن ما يُقَرَّ من أحكام غير واردة فى النص الشرعى هو نتيجة لعدم توافر الشروط، وليس استبدالًا للعقوبات المنصوص عليها فى النصوص الشرعية.
ولفت مفتى الجمهورية النظر إلى أن الفتوى هى عنصر أمان وعنصر دمار فى نفس الوقت، فالمجتمع لا يستقر إلا بالفتاوى الرشيدة، مؤكدًا: "نحن فهمنا دَور الفتوى الحقيقى وأيقنَّا أن الفتوى يجب أن تَبنى المجتمع ولا تهدمه".
وحول إنشاء دار الإفتاء لمركز سلام لدراسات التطرف التى انتهت فعاليات مؤتمره العالمى الأول أمس الخميس، قال مفتى الجمهورية: "إن إنشاء مركز سلام لدراسات التطرف لم يأتِ من فراغ، ولكن نتيجة لدراستنا للواقع المحيط، وقد سبقنا ذلك بخطوة، وهى إنشاء مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة عام 2014، حتى تطورت الفكرة بإنشاء مركز سلام".
وأضاف أن رسالة مركز سلام هى تصحيح المسار الفكرى ومواجهة المفاهيم الفكرية الخاطئة، وتحقيق الأمن والسلام المجتمعي؛ لأننا نريد أن يكون مركز سلام يدًا للبناء ومحاربة الإرهاب بالفكر والمنطق، مشيرًا إلى أنَّ الذى يميِّز مركز سلام هو الظهير الشرعى التفكيكى للفكر المتطرف، فضلًا عن العلوم الأخرى.
وقال فضيلته: "الشباب حائر، ويبحث عمَّن يأخذ بيده، لذا نسعى من خلال مركز سلام لاستخدام كافة الأساليب والوسائل الحديثة من أجل الوصول إليه والتواصل معه. وخلال مؤتمر سلام الذى انتهت فعاليته أمس، افتتحنا على هامش فعالياته معرض الشهيد، ونحن نعوِّل عليه كثيرًا بتقنياته الحديثة من شاشات تفاعلية وإنفوجرافات وموشن جرافيك وغيرها، فى الوصول إلى المدارس والجامعات والتجمعات المختلفة ليراه الشباب ويتفاعلوا معه، حيث سيكون معرضًا متنقلًا".
وأكَّد فضيلة المفتى أنَّ مصر تمتلك خبرات ثقيلة ومتنوعة فى مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، وقد لاحظنا وجود إقبال شديد على المؤتمر الأول لمركز سلام بدراسات وأبحاث عميقة؛ لذا سنعمل العام المقبل على تحويل مؤتمر مركز سلام إلى ملتقًى للحوار والنقاشات وتبادل الخبرات فى مكافحة الفكر المتطرف، مضيفًا: "نريد إيجاد أرضية مشتركة وتنسيق وتعاون عالمى لمواجهة المنطلق الفكرى الخاطئ بمنهج علمى منطقي".
واختتم فضيلة المفتى حديثه بقوله: "نحن فى دار الإفتاء فى جهاد شريف بسلاح فتاك هو القلم والفكر كجهاد الجندى فى الميدان بسلاحه... كل منا يتعاون مع الآخر لمواجهة الإرهاب والتطرف".