الآثار الغير مباشرة للأزمة الروسية الأوكرانية

الآثار الغير مباشرة للأزمة الروسية الأوكرانية اللواء دكتور وليد فاروق

الرأى12-6-2022 | 08:16

بعد أن تعرضنا فى مقالاتنا السابقة للآثار والتداعيات المباشرة للأزمة الروسية الأوكرانية فى المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية والتى يمكن الإشارة إلى أهم تلك التداعيات وهى إعادة صياغة النظام العالمى الجديد ليصبح نظام متعدد الأقضاب بديلا عن النظام الإحادى القضبية بزعامة الولايات المتحدة الذى استمر لأكثر من ثلاث عقود.. إنتهاء التبعية الكاملة لدول أوروبا الغربية للسياسات الامريكية فى العالم بعد أن عانت تلك الدول ولاتزال من جراء تلك السياسات الانتقائية التى تحقق مصالح الولايات المتحدة أولا حتى على حساب حلفاءها..

إجبار أوكرانيا على التحول إلى دولة محايدة غير مسموح لها بالإنضمام إلى أى من الأحلاف العسكرية ولا سيما الناتو "السبب الرئيسى لتلك الأزمة" بالإضافة إلى انتزاع جزء أصيل من الأراضى الأوكرانية "إقليم دونباسك" لينضم إلى الدولة الروسية أو قد يصبح تحت الحكم الذاتى فى أفضل الأحوال .. تدمير القوات المسلحة الأوكرانية.. تدمير البنية التحتية للعديد من المدن الأوكرانية.. أصبح بحر أزوف بحيرة روسية خالصة بعد سيطرة الجانب الروسى على الشطر الشمالى منه وتحقيق الاتصال البرى والبحرى بشبه جزيرة القرم التابعة ل روسيا فى الأساس.. أزمة اقتصادية صادمة للعالم بأثره نتيجة تعطل إمدادات القمح الروسى والأوكرانى للأسواق الدولية والذى يمثل 25% من الانتاج العالمى.. أزمة طاقة تهدد معظم دول أوروبا نتيجة منع روسيا إمدادات الغاز والبترول إلى أوروبا والتى تمثل 40% من احتياجات أوروبا من الغاز فى إطار ما يسمى بالعقوبات الإقتصادية الغربية على روسيا وإن كان ما حدث هو عقاب أوروبا لشعوبها وليس ل روسيا التى استطاعت بيع حصص الغاز والبترول الإضافية لديها نتيج الحظر الغربى بأسعار أفضل فى أسواق أخرى.

فى حين تخطى سعر جالون البنزين فى أمريكا 5 دولارات لأول مرة فى التاريخ الأمريكى.. ارتفاع معدلات التضخم فى أوروبا وأمريكا.. تحسن سعر الروبل الروسى فى الأسواق فى المقابل اهتزاز عرش الدولار الأمريكى وبدأ الترويج لفكرة استبداله بعملات دولية أخرى.. إلا أن الأمر لن يتوقف عند التداعيات والآثار المباشرة لتلك الحرب فهناك آثار أخرى لها وإن كانت غير مباشرة إلا أن لها تداعيات خطرة على بعض المناطق الأخرى فى عالمنا المعاصر المتأزمة فى الأساس قبل الحرب الأوكرانية.. ففى الداخل الإسرائيلى تأثر اليهود الروس داخل إسرائيل سلباً من أكثر المهاجرين اليهود إلى إسرائيل عددا وتأهيلاً علمياً – قرابة 2 مليون مهاجر نتيجة للموقف الإسرائيلى الرسمى الداعم للرئيس الأوكرانى زيلنسكى الأمر الذى ذاد من جرأة المهاجرين الأوكران فى إسرائيل فى تحرشهم وتهديدهم لليهود الروس يوميا.

فى ظل مجتمع صامت أو مؤيد لتلك التحرشات بصورة أو بأخرى الأمر الذى أصبح معه حلم العودة إلى الوطن الأم فى روسيا يراود معظم يهود روسيا فى إسرائيل .. مما ينذر بهجرة عكسية خارج إسرائيل لنوعيات هى الأفضل من حيث القيمة العلميه والاقتصادية وحتى الفنية والرياضية .. هذا إذا ما أخرجنا عودة التهديد الديموجرافى للدولة الصهيونية نسبة اليهود بالمقارنة إلى نسبة العرب نتيجة هذه الهجرة العكسية والتى أصبحت أمنية مكتومة لدى العديد من يهود إسرائيل لأسباب عدة قد تكون هذه شرارة مناسبة لانطلاقها بصورة أو بأخرى.. الأمر الذى سيلقى بظلال سلبية وخيمة على الداخل الإسرائيلى.

إن مرحلة مخاض نظام عالمى جديد تلك التى نمر بها الآن مرحلة تتميز بعدم الاتزان الاستراتيجى وضعف السيطرة على مجريات الأحداث العالمية فهى أشبه بمرحلة الثورات داخل الدول حيث تعم الفوضى وتضعف أو تنعدم السيطرة الأمنية فينشط البلطجية واللصوص للاستيلاء على كل ما تطوله أيديهم .. للأسف مع فظاعة هذا التشبيه إلا أن قريبا من ذلك سيحدث فى مجال العلاقات الدولية بين الدول.. فها هو أردوغان تركيا .. سرعان ما أعلن عن بدء عملية عسكرية محدودة داخل الأراضى السورية منتهذا فرصة الارتباك الدولى الحالية والتركيز الروسى فى عملياتها فى أوكرانيا على حساب تواجدها العسكرى فى روسيا معلنا أن هدف العملية هو احتلال شريط أمنى داخل الأراضى السورية بمسافة 30كم عمق و بمواجهة 432 كم طول .. !! بغرض عدم السماح بتواجد أى قوات كردية على حدود تركيا على حد زعمه وكأن سيادة الدولة السورية على أراضيها أصبحت هباءا منثورا ..إلا أن الرد الروسى رغم تأزم موقفها الدولى جاء مفاجئا .. حيث حلقت المقاتلات الروسية فوق تلك المساحات مطلقة العديد من القذائف فى تحذير واضح لكل من يقترب من الأراضى السورية .. الأمر الذى دعا أردوغان تركيا إلى تأجيل عمليته المزعومة تحت زعم الإعداد الجيد للعملية لنرى من معنا ومن ضدنا.. كما أعلنها صراحة مخاطبا برلمانة ..

وعلى الجانب الأخر وفى أقصى الشرق عادت إلى الظهور مشكلة انضمام تايوان إلى الوطن الأم الصين .. حيث حاول الصينيون وعلى ما يبدو إعداد العدة وانتهاز الفرصة للقيام بعملية مباغته لضم تايوان وفرض الإرادة السياسة والعسكرية عليها .. وهو ما إستشعرته الولايات المتحدة الأمريكية مبكراً وكان الرد الأمريكى واضحا حيث أعلن الرئيس الأمريكى بايدن فى بيان رئاسى قوى على غير المعتاد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستتدخل عسكريا للدفاع عن تايوان إذا ما تعرضت لهجوم صينى .. إلا أن الأيام الماضية قد علمتنا أن ليس كل ما تعلنه الولايات المتحدة .. تكون قادرة على تنفيذه .

الحديث لم ينتهى عن الآثار الغير مباشرة لهذه الحرب الروسية الأوكرانية والتى سيصبح العالم بعدها ليس كما هو العالم قبلها بإذن من الله عز وجل وإلى لقاء آخر .

أضف تعليق