ونحن نعيش مرحلة هامة وفى ظل دعوة رئاسية لحوار مجتمعى شامل دون تمييز يجمع كل التيارات الحزبية و مؤسسات المجتمع المدنى لمواجهة كافة التحديات الراهنة ، وفى الوقت الذى رحبت فيه كل القوى السياسية والمدنية بالحوار الذى يشمل كل مناحى حياة الشعب المصرى، نجد أن هناك سلوكيات قد لا تندرج ضمن محاور الحوار إلا أننا فى حاجة الى مناقشتها على هوامش لقاءات الحوار و منها على سبيل المثال سلوك بعض الأفراد لما يُسمى الشللية فى الكثير من المجالات ، ولعل أهمها وأخطرها هو ما يتعلق ب الشللية فى مجال العمل ، و قبل أن أتحدث عن الشللية فى الشركات ومجتمعات الأعمال والعمال ، كان لزاماً علىّ أن أبحث عن معنى هذه الكلمة الخطيرة فى قواميس اللغة فبالبحث فى معجم المعانى الجامع والمعجم الوسيط وجدت أن كلمة ( شِلَليّة ) اسم مؤنث منسوب الى ( شِلَل ) بمعنى محسوبيّة ، مزاجيّة ، ازدواجيّة ، جماعية .
وذلك لأن الشللية فى الشركات ومجتمعات الأعمال تخلق بيئة طاردة وقاتلة للكفاءات الإدارية، وأنها والفساد الإدارى يلتقيان فى نقاط ومواضع كثيرة ، وأنه كلما وجدت الشللية وجد الفساد الإدارى والمالى، وخلف كل فساد إدارى ومالى شللية معينة ، ولا شيئ يقتل الكفاءة الإدارية مثل ما يقتلها وجود الشللية فى الأعمال والوظائف ، حيث يتضح جلياً عندما يتولى مسئول ما رئاسة شركة أو مؤسسة فإنك تلاحظ انه بمجرد أن يضع قدمه داخل المؤسسة فيبدأ تسخير جزء كبير من وقته للبحث عن شلة ، وان لم يبحث المسئول فتجد المتطوعين للقيام بهذا الدور ممن تجمعهم المصالح المشتركة لأن الشللية تمثل البوابة الأولى لانتشار الواسطة والمحسوبية والمجاملة والنفعية بأقبح صورها، وما نعانيه اليوم من مشاكل إدارية فى كثير من الشركات والأعمال ناتج عن إنتشار الشللية فيها .
إن إنتشار هذا المرض الإدارى الخطير يؤدى الى دخول المجاملات والمحسوبيات ميدان العمل على حساب الكفاءة والإنجاز، و هذه الشلة لن تسمح لمن هم خارجها بالدخول أو الاقتراب من حرمها أو من شخص المسئول، وستعلن الحرب على كل أصحاب الفكر والرؤية و المبدعين من خارجها بكل السُبل ، وسيمنعون وصول أفكارهم وآرائهم الى المسئول الأعلى فى المنشأة حيث يعتبرون ذلك تهديداً لمصالحهم وكثيراً ما ينسبون هذه الأراء لأنفسهم.
بل إنه فى كثير من الأحيان تحاول هذه الشلة ضم هؤلاء الموظفين النابغين إليها بإغرائهم بالحماية وتحقيق منافع ذاتية سيحصلون عليها نتيجة إنخراطهم معهم فى الشلة ، وهم يهدفون الى صرف اتجاهاتهم عن التفكير والإبداع وتوليد الأفكار الخلاقة، وتموت بذلك الكفاءة الإدارية ، ويفشل المسؤول فى تحقيق الأهداف التى تم اختياره من أجل تحقيقها.
ان الأشخاص اصحاب الأفكار السليمة البنًاءة يفرون من البيئة المنفرة والطاردة إلى البيئة الجاذبة ، فبيئة العمل تؤثر تأثيراً مباشراً فى الوحدات الاقتصادية ، فالبيئة الطاردة فى العمل تجعل الموظف لا يفكر فى العمل و الانتاج والإبداع بقدر ما يفكر فى الهروب وتغيير الوظيفة، بمحاولته التخلص مما يتعرض له من مؤامرات و دسائس ، فهذه البيئة لها تأثيرها السلبى على إنتاجية المنشأة و هروب الكفاءات منها .
إن وجود الشللية فى المؤسسات و الشركات تؤثر بشكل مباشر تأثيراً كبيراً فى غياب تغليب المصلحة العامة ، وذلك نتيجة توجيه كافة المخصصات لشلة معينه ، حيث لا يتم تطبيق النظم واللوائح على هذه الشلة أو تلك المجموعة ، فترقياتهم مضمونة، وأخطاؤهم مغفورة ومقبولة فلا يُحاسبون عليها، فأخلاقهم الغرور و أعمالهم مهما كانت صغيرة تُعد إنجازات تستوجب المكافأة و الشكر والتقدير والعرفان!!!
تُعد الشللية فى العمل نظاماً غير رسمى ، يضُر بالمصلحة العامة، ويضرب بسياسة الشركات ومصلحتها عرض الحائط ، و لا يهم افراد الشلة سوى تحقيق أهدافهم وتعميق غير عابئين بما ينتجه نظامهم غير الرسمى من تغييب لأراء مخالفيهم فتختفى بذلك معايير الكفاءة والإنتاجية.
ولا يجب أن نعمم أن كل الشللية ضارة ففى بعض الأحيان تكون داعمة و مقوية لبنيان وهيكل الشركة بما لدى أفرادها من أفكار متنوعة وبناءة تدعم العملية الانتاجية .
إلا انه فى أغلب الأحيان, يؤدى وجود مثل هذه التجمعات ( الشللية ) إلى خطر كبير وخلل فى العمل والعلاقات والترابطات داخل الوحدات الاقتصادية والعمالية ،خاصة إذا استطاعت مثل هذه المجموعات الوصول إلى مصدر صياغة واتخاذ القرارات فى المنشأة .
إن بيئة عمل كهذه لن تكون بيئة مشجعة على الإبداع، والانتماء، والمشاركة فقد يتحول المخلص إلى منسحب، والمبدع إلى محبط، والمبادر إلى سلبياً، والمتحمس إلى لا مبالى .
ولو أبصر كل مسئول له شلة بعين العقل لأيقن أن هذه الشلة ما هى الا تحذيراً له حيث انه بقتل وتهميش الكفاءات ستكون النتيجة الحتمية والمنطقية هى فشله وفقده ثقة من قام بأختياره الى هذا المنصب وولاه تلك المسئولية ، و واجب الإدارة الواعية للمنشأة أن تحاسب هؤلاء المديرين الذين يجعلون بيئة العمل طاردة، وعدم تركهم ينتشرون بهذا الشكل المخيف لأنهم ينطبق عليهم المبدأ القائل أنه "من أمن العقاب أساء الادب" .
إن إنتشار وإنتقال الشللية فى مجال الاعمال مع كل تغيير لقيادات الشركات يقتل الإبداع ويقتل الكفاءات ويؤدى الى كثير من المشاكل الإدارية والإجتماعية داخل تلك الشركات حيث انه قد تكون الصورة الذهنية للشركة فى المجتمع صورة براقة لكن الوضع داخلها لا يتفق مع تلك الصورة.
حفظ الله مصر وعمالها الشرفاء شر الشللية التى تعمل على الهدم واعلاء المصالح الشخصية على المصالح العامة .