«الڤيتو اللعين وإزدواجية المعايير»

«الڤيتو اللعين وإزدواجية المعايير»د. أحمد الشحات

الرأى12-7-2022 | 13:15

شكلت منظمة الأمم المتحدة التي تحتضن 193 دولة في عضويتها الإطار السياسى والأمني للنظام الدولى، وقد جاء تأسيس المنظمة لتشكل جوهر النظام الدولى القائم على الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وترتكز على مجلس الأمن المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين الأداة الدولية التي حددت الكثير من القضايا الدولية التي يعتمد على الأعضاء الدائميين محور النظام الدولى ( الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا)، إلا أن بقاء حق النقض "الفيتو" بيد الدول الكبرى المهيمنة أفقد المنظمة الأممية قيمتها وديمقراطيتها.

ورغم نشأة مجلس الأمن بترسيخ مفاهيم السلم والأمن الدوليين،إلا أن منطق الصراع وقانون الغاب هو ما يحكم العالم فعليًا فى ظل الفيتو . ولعل أسوأ الأمثلة على استخدام حق الفيتو من قبل أمريكا عشرات المرات دونما أي سند قانوني وأخلاقي و شرعي ضد حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

وهناك بعض الإحصائيات تشير تقديرياً بأن عدد مرات استعمال حق النقض بلغ 293 مرة. استخدمه الاتحاد السوفيتي ووريثته روسيا 143 مرة،والولايات المتحدة 83 مرة وبريطانيا 32 مرة وفرنسا 18 مرة،بينما استخدمته الصين 16 مرة.

وقد أعادت العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا إحياء الفكرة المطروحة منذ مدة طويلة والهادفة لدفع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لتخفيف استخدام حق النقض (الفيتو). فمؤخراً سمح فيتو موسكو لها بشل أي تحرّك ضدها في مجلس الأمن الذي يفترض أن يتدخل في هذا النوع من النزاعات كضامن للسلام العالمي.

أظهرت الحرب الروسية على أوكرانيا أن النظام الدولي الحالي أصبح غير واقعي في ظل الاستقطاب الحالي خاصة في الأمم المتحدة وبالتحديد في مجلس الأمن،وقد ارتفعت الأصوات في السنوات الأخيرة على ضرورة إصلاح هياكل الأمم المتحدة وإيجاد مقاربة سياسية لا تعتمد على سيطرة الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية ومعهم الصين على الهيمنة والانقسام مما يهدد الأمن والسلم في العالم،كما حدث في النموذج الأوكراني،حيث وصل الأمر بالتهديد باستخدام السلاح النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية،بل إن الرئيس الأمريكي بايدن تحدث عن خطورة اندلاع الحرب العالمية الثالثة.

وللحقيقة لم تكن روسيا،العضو الدائم في مجلس الأمن،هي الدولة الوحيدة التي لجأت إلى استخدام القوة المسلحة كوسيلة لتسوية نزاعها مع دولة أخرى،وذلك بالمخالفة لقواعد القانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة،فالواقع أنه سبق لكل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن،ربما باستثناء الصين،أن فعلت الشيء نفسه في مناسبات مختلفة كثيرة (فرنسا وبريطانيا إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956،والولايات المتحدة إبان غزوها واحتلالها للعراق عام 2003،وذلك على سبيل المثال لا الحصر)،ومن ثم لا يحق لأي من القوى الكبرى المتنافسة على الساحة الدولية ادّعاء العصمة أو التفوّق الأخلاقي على هذا الصعيد.

غير أن الأزمة الأوكرانية كانت المناسبة التي استخدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لفرض عقوبات شاملة على روسيا،بالمخالفة أيضاً للقانون الدولي ولميثاق المنظمة الأممية. فالعقوبات جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الجماعي،ومن ثم لا ينبغي أن تفرض إلا من خلال مجلس الأمن. لذا يمكن القول إن الحرب في أوكرانيا تعدّ أول أزمة في تاريخ الأمم المتحدة تشهد استخداماً متزامناً من جانب أطرافها لكل من القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية خارج نطاق مجلس الأمن،ومن ثم خارج نطاق الشرعية الدولية. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن القوى الكبرى لم تعد حريصة بشكل جماعي ومتعمّد على احترام قواعد القانون الدولي،وتتصرّف وكأن الأمم المتحدة لم تعد قائمة،ما يعني بداية دخول النظام الدولي في مرحلة تتّسم بالفوضى الشاملة،الأمر الذي يعدّ تراجعاً وانتكاسة كبيرة إلى الوراء. فهل يعني ذلك عودة المجتمع الدولي إلى مرحلة ما قبل التنظيم الدولي؟

في معظم الأحوال التي تُقرع فيها طبول الحروب ليست هناك فاعلية لحق النقض من قبل الدول الداعية إلى حلّ المشكلات الأمنية المعقدة بالطرق الدبلوماسية،وأمامنا ما جرى في العراق وسوريا وما يجري في أوكرانيا.وسيظل هذا الفيتو مثار جدل دائم،لأنه في حقيقة الأمر يمنع أي تحرك فعلي من قبل الجمعية العامة التي يرى بعض أعضائها أن الفيتو داعم للاستقرار الدولي،بينما يرى آخرون،وهم الأغلبية،أن حق النقض هو أكثر العناصر غير الديمقراطية في الأمم المتحدة،لأنه يمنع أي تحرك سياسي ضد الدول الخمس .

وختاماً : في ظل حرص الدول الكبرى على تشكيل النظام الدولى ومعالجة قضاياه طبقاً لأهوائهم ومخططاتهم دون النظر لتداعيات هذه التحركات على الدول الأخرى خاصة النامية منها والتي تدفع فاتورة باهظة في النهاية على حساب إستقرار ورخاء شعوبها،الأمر الذى يفرض على الدول متوسطة القوى والتي تتميز بنفوذها الإقليمى على الأصعدة المختلفة إمكانية تشكيل كيانات موازية في إطار تحالفات قوية،تبرز من خلالها دورها وتأثيرها بحيث تصبح رقم هام في المعادلة الدولية يعتد به في أي قرارات مستقبلية تساهم بشكل مباشر في تشكيل النظام الدولى .

أضف تعليق

خلخلة الشعوب و تفكيك الدول

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2