أشفق على مصر وعلى الجالس على كرسي الرئاسة من اختفاء المعارضة وعدم وجود البديل السياسي الحقيقي ، فمنذ حكم مبارك ولم يتواجد على الساحة معارض سوى الإخوان الإرهابيين .. قامت الثورة و سقط الحزب الوطني و جاء الإخوان ليمثلوا الديكتاتورية الإرهابية المتوحشة في محاولة للسيطرة على كل مفاصل الدولة وإقصاء الآخرين ، خصوصا بعد أن خرجت جحافل الظلاميين من جحورها التى اختبأت فيها على مدى سنوات لتسد كل النوافذ وتحجب ضوء الشمس كليا.
ومنذ ذلك الحين والمعارضة في مصر إما معارضة صورية كرتونية "خزعبلية" وهي تظهر جلياً في موسى مصطفى موسى المرشح الوحيد أمام الرئيس السيسي من باب أنه لا يجوز أن يخوض الرئيس السيسي الانتخابات الرئاسية وحيدًا وكأن الرئيس مطلوب منه العمل والبناء والتنمية وفي نفس الوقت إيجاد معارضة حقيقية لها رصيد في الشارع أو معارضة إرهابية شريرة مكونة من جماعة متشرذمة من أهل الشر الممولين عبيد الدولار ناشري الفوضى أصحاب المصالح و قد اتخذت لها عدة أسماء و مسميات : إخوان مسلمين , الحركة المدنية الديمقراطية , 6 أبريل وغيرها.
وبالفعل فأنا شخصيا وفي رحلة طويلة من البحث لم أجد على الأرض معارضة وطنية عاقلة تكون أشبه (بملح الطعام أو البهار) الذي لا بد منه لكونه يعطي نكهة طيبة تكتمل بها صورة المشهد السياسي لأي نظام ينتهج نهجا ديمقراطيا صحيحا خاصة أن النخب السياسية المنتشرة على الساحة والنواب أعضاء البرلمان أصبحوا أشبه بظل الحكومة يتخوفون من انتقادها حتى لا تتوقف مصالحهم الشخصية وطلباتهم التي تسبق استجواب الوزراء.
فقد اختلفت التعاريف والتصنيفات لمصطلح المعارضة في كتب السياسة بشتى أنواعها، فمن بين تعريفاتها أنها «أي رأي أو توجه مخالف لسياسات وتوجهات السلطة القائمة لمجموعة تمثل أقلية في منظومة السلطة التشريعية سواء كانت أحزابا أو أفرادا».
وتنوعت التعريفات من حيث التصنيف، فمن حيث التعريف السياسي للمعارضة، ذكرت كتب أنها الجماعة التي تحمل نموذجا بديلا عن الذي يجري تنفيذه على أرض الواقع في أي دولة من قبل السلطة الحاكمة، وتحاول المعارضة أن تصل به إلى قناعات المواطنين لتضغط في اتجاه يصب في نهاية المطاف لمصلحتها بأن تتولى السلطة التنفيذية لإدارة شؤون البلاد بالطريقة التي تراها مناسبة.
ومن حيث تصنيفها التشريعي أو البرلماني فهي تعرف بأنها مجموعة الكتل السياسية أو الأفراد أو الأحزاب الممثلة في المجالس النيابية والتشريعية، وتكون تلك التكتلات ممثلة بدرجة أقل من صاحبة القرار التنفيذي بالدولة، وتحاول أيضا إعاقة مشروعات السلطة التنفيذية التي تعارض وجهة نظرها.
لكن التعريفات والتصنيفات كلها تتفق على مبدأين أساسيين في واجبات المعارضة، الأول: الوطنية، والثاني: احترام الدستور والقانون، فأما من حيث الوطنية فهي غريزة يفترض أن تكون نابعة من داخل كل مواطني الدولة سواء كانوا في المعارضة أو الموالاة، ولا يخرج عن هذه الغريزة إلا مختل أو شاذ عن الغريزة، وأما من حيث احترام الدستور والقانون، فهذا مبدأ وعقد اتفاق أولي بين كافة أطراف المعادلة السياسية يلتزم به الأطراف وتقوم السلطة القضائية بالفصل بين الأطراف من مبدأ فصل السلطات.
وعلى عكس المتعارف بوجود صراع دائم بين السلطة والمعارضة يبحث الرئيس السيسي والرجل البسيط في الشارع عن معارضة وطنية تحترم الدستور والقانون تحافظ على الدولة ومؤسساتها تفصل السلطة القضائية في خصوماتها.
فالحالة التي نعيشها منذ عام 2011 وما تخلف عن نتائجها من عمليات إرهابية مستمرة راح ضحيتها الكثير من أبناء هذا الوطن ونالت من مفاصل الدول بالتخريب والدمار والتفجير والحرق، لا يعتبرها أي عاقل أنشطة سياسية معارضة.
وأستشهد بذلك على المعارضة في الدول المتحضرة وهي الجماعة التي تقوم بتعديل وتقويم مسار النظام في حال أخطأ أو انحرف عن المسار التنموي، وتعرف المعارضة بأنها صاحبة الحلول البديلة والقادرة على تقديم معالجات للمشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والمتنفس للناس الذي يخالفون الحكومة الرأي.
وأسالتي هنا للمعارضة الوطنية التي نحتاجها جميعا وبشدة .. لماذا لا يحترم البعض الدستور والقانون الذي تم الاتفاق والتعاقد عليه؟ لماذا لا يعودوا للعمل من الأماكن المخصصة للعمل السياسي؟ بدلا من دعوات المقاطعة المسمومة ، سواء كنا مختلفين في الرأي أو متفقين – علينا أن نرتقي بالدولة الحديثة ونعود للمسارات الراقية في الحوار، فهاهي المنطقة حولنا، دمرتها الصراعات وخربها الإرهاب ، ولم يصل أي طرف لهدفه المنشود، والآن يبحثون عن طاولة حوار، للخروج من متاهات الحروب، لكن مازالت أطراف خارجية تحاول قلب الطاولة على المتحاورين.. فلنعِ ما يحدث حولنا ونستفيد من تجارب حية ومن الآن نصنع معارضة وطنية جادة تنافس بعد أن يكون لها رصيد حقيقي بناء في الشارع ونعود لنصطف في مسارات الديموقراطية والانتخابات ونعمل في إطار الدستور والقانون والقضاء لننهض بالوطن قبل فوات الأوان.