وجوه سكن ملامحها الحزن والقهر، أناس لا يرف لهم جفن، عندما تقترب منهم ، تتذوق مرارة عيشهم، ومن على مسافات تنبعث رائحة الحرائق فى قلوبهم؛ هناك حجرة عظيمة جاثمة على صدورهم، لهم صولات وقصص فى محاكم الأسرة، التى تعج يوميا بالخلافات الزوجية، وبداخلها قصص عدة انتهت ب دعاوى الطلاق للضرر و قضايا الخلع، دعاوى متبادلة بين الازواج والزوجات لأسباب منطقية وأخرى غريبة، بعد أن غابت المودة والرحمة بينهما وتصاعدت وتيرة الخلافات، لتهدم حياتهم الزوجية، ويدفع الثمن دائما الأطفال.
فى حياتنا أسباب الأنفصال مختلفة ، بعضها منطقى ومقنع وبعضها غريب وغير مألوف، ولكن فى النهاية ستجد أن ظاهرة الطلاق تفاقمت خلال الفترة الماضية ، حتى بات مصطلح "طلاق" معتاد أن نسمعه يوميًا ، وصار أول الحلول التي يتم اللجوء إليها للتعامل مع المشاكل الزوجية.
ووفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فهناك ارتفاعًا مستمرًا في عدد حالات الطلاق السنوية في مصر خلال الفترة من 2008 وحتى آخر تقرير صادر عن معدلات الطلاق في 2020، وكشف الجهاز المركزي، عن إجمالي حالات الطلاق خلال عام 2020، والتي بلغت 222 ألفا و36 حالة طلاق متنوعة ما بين طلاق، وطلاق نهائي وخلع، ووفق مؤشرات الجهاز وصل عدد حالات الطلاق خلال 2019 حوالي 225.9 ألف حالة، وفي 2018 بلغت حالات الطلاق 211.6 ألف حالة، وخلال 2017 بلغت 198.3 ألف حالة، وفي 2016 وصلت إلى 192.1 ألف حالة.
وبينت مؤشرات الجهاز، أن عام 2015 شهد 199.9 ألف حالة طلاق، في حين شهد عام 2014 حوالي 180.3 ألف حالة، وخلال 2013 بلغت 162.6 ألف حالة، بينما سجلت حالات الطلاق في 2012 حوالي 155.3 ألف حالة.
وخلال 2011 فقد شهد العام حوالي 151.9 ألف حالة، في حين تمت 149.4 ألف حالة طلاق في عام 2010، أما عام 2009 فقد شهد حوالي 141.5 ألف حالة، وكانت النسبة الأقل في 2008 الذي شهد حوالي 84.4 ألف حالة فقط.
وكشفت أحدث دراسة من المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن الارتفاع في معدلات الطلاق زاد خلال الخمس سنوات الأخيرة، وعن محددات الاختيار الزواجي، فإن 80% من الحالات أكدوا أن هناك جوانب أخلاقية، وذهب 19% إلى أهمية العائلة والنسب، فيما ذهب 13% إلى أهمية الحب والرومانسية، بينما ذهب 12% من الحالات لتؤكد على أهمية المظهر والشكل، كما أن مشكلات فترة الخطوبة حسب الدراسة التي أجراها المركز توضح أن 37% من الحالات تشير إلى وجود مشكلات مرتطبة بالخطوبة أبرزها اختلاف الطباع بين الطرفين.
وللبحث عن سبل الحفاظ على استقرار الأسرة سألنا المتخصصين عن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد ومدى تأثيره على المجتمع..
يقول "وائل نجم"، المحامى بالنقض والمتخصص فى الشأن الأسرى، وسكرتير عام مفوضية الأمم المتحدة، قانون الأحوال المدنية يعد واحدًا من أهم وأخطر مشروعات القوانين في العصر الحالي؛ نظرا لتأثيره على استقرار الأسر المصرية في ظل الارتفاع الكبير في حالات الطلاق ووجود آلاف الأطفال العالقين بين الآباء والأمهات، ومن هنا يجب وضع آلية محكمة لتنظيم القانون الخاص بقضايا الأسرة، ومراعاة تقديم نفقة عادلة للمرأة في قضايا الطلاق ، بما يضمن رعاية جيدة للأطفال، ووضع نصوص محكمة للالتزام بضوابط الحضانة، وضبط الحقوق والواجبات المترتبة على الطلاق، وأضاف أنه يجب تعديل المادة الخاصة بالاستضافة
والتي تتضمن أن تكون الاستضافة بالتراضي وليست بالتقاضي بموافقة الحاضن والمحضون عند عمر عشر سنوات، وأشار إلى ضرورة وضع مشروع قانون يسعى إلى استقرار الأسرة والحد من حالات الطلاق التي تضاعف في السنوات الأخيرة، بعد أن أصبحت مصر في مقدمة الدول التي تشهد حالات طلاق، والتي أصبحت مشكلة تؤرق الأسرة المصرية وتدفعها إلى عدم الاستقرار، أما فيما يتعلق بحق الأب أو من له حق الرؤيا لاستضافة الصغير، فيقول المحامى بالنقض، أنه مطلب قديم جديد يطالب به العاملون في الحقل القانوني، ويطالب به المجتمع ، لأنه يتماشى مع القواعد والقوانين الدولية ومع أحكام الشريعة الإسلامية، وهو حق أصيل
للطفل المحضون قبل الأب أو الأم، لأن في استضافة الصغير يتولد لديه شعور خلق أسرة جديدة سواء مع الأب أو الأم، حيث يشعر الطفل بأنه لا يقل عن أقرانه وأنه يعيش في أسرة سوية، وذلك لاختلاطه بأسرته من والده، وهنا تتحقق الغاية التي قصدها المشرع سواء كان الشرع الحنيف أو القانون الوضعي في حفظ حق من له الحضانة، وأوضح وائل نجم، أنه في الماضي لم تكن هناك محاكم أسرة بتلك الصورة ولا بنسب الطلاق
الموجودة الآن وكانت المشاكل الأسرية تحل من قبل مؤسسات وجمعيات معينة قبل أن يستفحل الأمر وكون الأمور تصل إلى المحاكم فهذا يعني أننا في نهاية الطريق، وهناك ضرورة لتغيير قانون الأحوال الشخصية ونبذ الترقيعات التي طالته خلال العقود الماضية، بعدما أصبح ظاهرا للعيان نتائج المساس والانحياز لطرف في قانون يفترض أنه صمام الأمان للأسرة المصرية، ولم يحقق القانون تطلعات الأسرة المصرية حتى الآن، مضيفا أن بعض البنود من القانون نجد أنها لم تحسن الوضع ولم تلب مطالب الآباء والأسر بل إن التعديل زاد الأمور سوءا،
وأضاف، أن ما يحدث وفق قانون الأحوال الشخصية "هو جريمة بحق طفل الطلاق وجريمة بحق الأب الذي انتهى دوره تماما في حياة أولاده واقتصر دوره على رؤية في مكان عام محاط بأسوار وكأنه مسجون وأبنه معه الأمر الذي أدى إلى ظهور أجيال من الأطفال مشوهه نفسيا وليس لديها انتماء للأسرة أو الأب أو العائلة فكيف سيكون لهؤلاء انتماء لوطن أو للعائلة الكبيرة وهى مصر، موضحا أن هذا القانون به تجاوزات كبيرة وتحيز كامل لفئة ضد فئة أخرى وهو لا يحقق تماسك المجتمع ودائما ماكنا ننادى ونحذر بأن العبث بالأسرة يعني العبث بنواة المجتمع وأن الصراع الموجود بين طرفي العلاقة "الزوج والزوجة وأسرة كلا منهما" سوف يؤدي إلى انهيار تماسك الأسرة المصرية.
هذا الأمر يمثل معاناة كبيرة للأسرة المصرية ولا يمكن ترك الأمور بتلك الطريقة والتى تتم التعديلات فيه لحساب طرف ضد الأطراف الأخرى لأن الأسرة المصرية ليست طرفا واحدا، وإن لم يتم بنائها على أسس سليمة سوف تضر بالمجتمع عامة، والقانون لم يضع طفل الطلاق في المرتبة الأولى حينما تم وضعه، الأمر الذي فرض مكتسبات لطرف على حساب الطرف الآخر وطفل الطلاق كان هو الأداة التي تتحقق بها تلك المكتسبات.
أن "قوانين الأحوال الشخصية في كل أنحاء العالم تضع مصلحة الطفل كأساس للبناء وفى بعض الدول الأوروبية والأمريكية تضع المعايير العلمانية كمقياس للأداء في هذا الاتجاه حيث تكون حضانة الطفل للطرف الأصلح والذي تتحقق معه مصلحة الطفل، وليس هناك عوائق تفرض حضانة الأب أو الأم وإذا لم يصلح الأبوين للحضانة يتم الذهاب بالطفل إلى الأسر البديلة، وفي معظم الدولة العربية تكون الحضانة للأم ثم الأب وهو الشىء العلمي والنفسي السليم بالنسبة للطفل حتى الوصول إلى مراحل معينة والتي يقل فيها اعتماد الطفل عن الأم من"7-9" سنوات، وفي بداية سن المراهقة يحتاج الطفل إلى الحزم والتوجيه من الأب أو تكون
هناك رعاية مشتركة وهذا أفضل شىء توصلت إليه الأبحاث العلمية وأن تكون هناك فترات معايشة للطرف غير الحاضن أسبوعيا مع الطفل لكي يتربي طبيعيا بين الأب والأم ( مرحلة الاستضافة)، وأوضح أن القانون أحدث نوعا من الذعر داخل الأسرة المصرية نتيجة الأحداث الدموية التي تحدث بين الزوجين المنفصلين وما يحدث من جرائم يومية بسبب قانون الأحوال الشخصية، وهذا الأمر تسبب في عزوف الشباب عن الزواج وارتفاع معدلات العنوسة بين الفتيات ووصل سن الزواج بين البعض من العشرينات إلى 35 عام،
لذا هناك ضرورة لتعديل قانون الأسرة أو الأحوال الشخصية بالانصاف لطرفي العلاقة الأسرية وليس لطرف على حساب الآخر لأن كل الدراسات العلمية أثبتت أن عدم وجود الأم والأب يمثل مشكلة كبرى للأطفال ويصيبهم بالعديد من الأمراض العضوية والصراعات النفسية، كما أنه ليس من المعقول أن تقوم بجر الأطفال إلى مناطق بعينها يحددها القانون خلف أسوار لكي يرى الأب أولاده في حال الانفصال عن الزوجة التي يعطيها القانون حق الحضانة المطلقة ولا بد أن يكون هناك دور للأب، والعمل على وضع تشريع باقتسام أيام رعاية الصغير بين أبويه بأهليتهما حق أصيل له ولهم لتكتمل علاقته بصلاته العائلية كلها وهو أمر يمكن أن يعدل معه المشرع القانون ليسمح بمبيت الطفل لدى أهل أبيه يومين أسبوعيا خلال فترة التسع سنوات الأول من طفولته على أن يبيت لدى أمه وأهلها نفس اليومين أسبوعيا بعد التاسعة من عمره وحتى بلوغه مرحلة 18
سنة وهي بداية سن الشباب ونهاية سن الطفولة في دستور مصر الحالي، وينتج وترتب على فلسفة الرعاية المشتركة للطفل أمور أخرى أهمها وجود ولاية تعليمية مشتركة وحماية حق الطفل لدى والديه في تعليم مستقر وهو أمر ينسف تخمة قضايا متراكمة في المحاكم كذلك ستنتهي جرائم احتجاز الطرف غير الحاضن للطفل، خاصة إذا ما صدر التشريع مشمولا بمادة تجيز للقاضي رفض سفره إلى الخارج دون إذن الأبوين معا
وطالب المحامى بالنقض، أن يكون القائمين على القانون الجديد مختصون من القضاة ومن رجال الدين والأطباء النفسيين وأخصائيين اجتماعيين ومنظمات مجتمع مدني فضلا عن رجال القانون بهدف إدارة حوار
حول القانون للخروج بقانون على أساس علمي لا يخالف الشرع والدين، وأضاف أن هناك قوانين ظالمة لا بد من السعي الجاد إلى تغييرها وفقًا للشريعة وأهمها: قانون الخلع المادة 20 لسنة 2000م ، وقانون المراجعة خلال 60 يومًا، وقانون سن الحضانة والذي وصل إلى 15 سنةً ، وقانون الرؤية الظالم والذى حرم الأب من رعاية أبناءه وحرم الجد والجدة من رؤية أحفادهم وكذلك العم والعمة ، وقانون الولاية التعليمية للحاضن " ممكن يكون هناك ولاية فكرية وولاية دينية ... الخ " ،وعدم اشتراط موافقة الزوج لسفر الزوجة، والسماح للزوجة التي أنجبت بدون زوجها من تسجيل الطفل بدون اسم الأب وهذا بالطبع يقنن الزنا ولا يعالج مشكلة
الطفل قبل يأتى بالمشاكل، موضحا أن كل هذه القوانين تصب في جانب المرأة فقط دون النظر إلى الأب أو الأولاد أو باقي الأهل من جهة الأب، وأضاف أن إصلاح التشريع يلزمه وضع حقوق الطفل بيد الدولة والتى يمثلها القاضي ليحكم لصالح الصغير ضد رغبات الأبوين المتنازعين إذا ما خالفت مصلحته ومستقبله وحقوقه لديهما وبالتالي سيكون هناك نظاما قضائيا مثاليا يحمي الحقوق ويمنع تدفق القضايا غير الضرورية،
ولابد وأن يشتمل على عقوبات رادعة ضد أي طرف جائر على حقوق الطفل أو مخالف لأحكام القانون والقضاء مع ضرورة إنشاء صندوق قومي لحماية استقرار الأسرة المصرية وأطفالها بعد الطلاق حالة تعرضها لهزة مادية وتراجع قدرتها على الإنفاق على الأطفال على أن يخضع هذا الصندوق لرقابة البرلمان والجهاز المركزي للمحاسبات