يظل دوما رأى المؤرخين هو الرأي الفصل لتقييم أي ثورة، خاصة أن التاريخ لا يحكم على نجاح الثورات أو فشلها إلا بعد مرور حقبة من الزمن.
وتحل هذا العام الذكرى الـ70 ل ثورة يوليو 1952، تلك الثورة التي قام بها الجيش المصري لإنهاء الحكم الملكي، الذي حرم المصريين من حقهم في حكم بلادهم ونهب خيراتهم، ومارس الديكتاتورية ضد أبناء الشعب المصري.
قال د. أحمد زكريا الشلق أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس: نستطيع أن نقول إنه بعد 70عاما تمكنت ثورة يوليو من تحقيق بعض الأهداف والإنجازات الحقيقية إلا أنه على الجانب الآخر كانت هناك بعض المشروعات الاجتماعية والاقتصادية، التى كانت تحتاج إلى سن قوانين وإعادة النظر بها لاستمرار إيجابياتها. ففى الجانب الإيجابى استطاعت ثورة يوليو تحقيق عدالة اجتماعية من خلال قانون الإصلاح الزراعى، إلا أنه كان يحتاج مع مرور الوقت إلى تعديل إلا أن الظروف التى مرت بها البلاد حالت دون ذلك، حيث دخلت مصر فى حروب متتالية بدءًا من حرب منذ 1956 وحتى حرب أكتوبر 1973.
ومن المشروعات المهمة أيضا مشروع تخفيض الإيجارات الذى أفاد الطبقة المتوسطة وكان يحتاج إلى تعديل حتى لا يقع ظلم على طبقة دون أخرى. ومن أهم الأفكار التى دعمتها الثورة هي الوحدة العربية والتى وصلت ذروتها خلال فترة الرئيس عبد الناصر والتى اتخذت من فكرة الكفاح ضد المحتل الإسرائيلى أساسا لها.
هدف اقتصادى
كما أن من المشروعات العظيمة التى نفذتها ثورة يوليو مشروع السد العالى، الذى عمل بثلث طاقته، نظرا لما اشتبكت فيه مصر من حروب، أدى إلى إيقاف مشروعات التنمية، حيث أصبحت الأولوية لتحرير الأرض وبناء جيش عصري حديث متعلم، فكانت حرب الاستنزاف التى أكدت أن الجيش المصري جيش متطور قام بالدفاع عن أرضه، والقيام بعمليات داخل الأراضى المحتلة فى سيناء وفى إسرائيل ذاتها، واكتشف العدو أن مصر أصبحت قادرة على المواجهة.
وأشار أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر إلى أن مصر كانت مقبلة على إنتاج صناعى هائل فى كل مجالات الصناعة، لكنها اضطرت إلى توجيه الصناعة إلى الصناعات العسكرية وسلع الحرب، واستطاعت تذويب الفوارق بين الطبقات، فظهرت الطبقة الوسطى من أبناء العمال والموظفين فكونوا طبقة وسطى، والتى لم تكن موجوة قبل الثورة.
وأضاف: ثورة يوليو كانت تعتمد على حب الشعب للزعيم جمال عبد الناصر، إلا أنه لم يكن كافيا لقيام نظام ديمقراطى سليم، خاصة أنه لم تتح له الفرصة لتداول السلطة بين الأحزاب المصرية فالاعتماد على حزب سياسي واحد أدى إلى الكثير من المشاكل عاقت ذلك، وهو الأمر الذى قام به الرئيس الراحل أنور السادات.
ويرى الشلق أن الدولة المصرية الآن مهتمة بتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن بتقديم الخدمات لكل الفئات، إلا أنه أيضا من الضرورى أن تنتج مصر فالمشروعات القومية التى تقوم بها الدولة الآن ستؤتى ثمارها، خاصة أن القيادة السياسية استلمت الدولة وهى تعانى من ضعف البنية الأساسية.
وأكد أن ثورة يوليو لو لم تكن ثورة قوية ولها إسهام فلم يكن ليتأثر بها العالم، ففى إفريقيا استمدت حركات النضال قوتها من الثورة المصرية، خاصة فى قوانين الإصلاح الزراعى. ولا يمكن أن ننسى التعليم المجانى الذى كان له أثر طيب على هذا الجيل، وهو الأمر الذى أسهم فى إبراز الطبقة الوسطى الذى تكون منه الجيش المصري الذى حرر الأراضي المصرية. وأن ما يميز ثورة يوليو هى أهدافها التى كانت تدعو للوحدة العربية والاشتراكية والمساواة والعدالة الاجتماعية،.
ثورة نقية
ومن جهته، قال د. جمال شقرة، أستاذ تاريخ مصر الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، إنه بعد مرور 70 عاما على ثورة يوليو 1952 نستطيع أن نصفها بأنها ثورة عظيمة واجهتها تحديات داخلية وخارجية هائلة، لكنها نجحت فى أن تضع نفسها بين قوائم الثورات العظيمة كالثورة الفرنسية وغيرها وإن كان البعض لا يزال يحلو له أن يصف ثورة يوليو 1952 بأنها انقلاب عسكرى، وهم فى الحقيقة قوى الثورة المضادة وأعداء ثورة يوليو وهذا الوصف سرعان ما تغير المصطلح بعد صدور قانون الإصلاح الزراعى الأول فى 9سبتمبر 1952، وبدأت تظهر مراجعات سواء للمراقبين الشيوعيين أو الليبراليين، وكذلك للكتاب المصريين وأبرزهم عميد الأدب العربى طه حسين، حيث راجعوا دور الجيش فى دول العالم الثالث وفى مقدمتها مصر.
وأضاف شقرة أن هؤلاء أكدوا أن الجيوش فى دول العالم الثالث هى جيوش وطنية وتستطيع القيام بثورة لتحقيق التوازن فى المجتمع بين القوى المتصارعة وإنقاذ الدولة من الانهيار لذلك بعد 13 يوما من ثورة يوليو رفض عميد الأدب العربى مصطلح الحركة المباركة والنهضة المباركة، وكتب أنه فخور ومعجب لأن مصر أصبحت تملأ الدنيا وتشغل العالم وأن مصر ضربت بثورتها مثلا رائعا فى التاريخ الحديث ويقول إن الثورة المصرية جمعت بين الجلال والوقار وبين الحزم والنقاء الذى أنهى الحكم الملكى دون إراقة دماء.
إقصاء الخونة
وأشار أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، إلى أن ما حدث فى مصر ثورة مباركة ردت إلى مصر شرفها وكرامتها ونالت إعجاب العالم. وعلميا هناك اتفاق على أن الثورة هى عملية التغيير الجذرى لأوضاع المجتمع والذين زاروا مصر عقب نجاح ثورة يوليو تساءلوا أين مصر التى نعرفها؟ أين الباشوات والبكوات؟ وأين كبار رجال المال والأعمال وكبار ملاك الأراضي الزراعية؟ حيث اختفى العملاء والخونة الذين كانوا يتعاونون مع الاستعمار لنهب ثروات مصر قبل وبعد الاحتلال البريطانى. وبعد مرور 70 عاما على ثورة يوليو ستظل هذه الثورة ملهمة للثورات وحركات التحرر الوطنى فى العالم، كما أن كل الثورات التى ستأتى بعدها ستولد من رحم هذه الثورة، لأن مبادئها العامة تصلح لكل زمان وكل مكان وكل باحث عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
الشعب المعلم
وأكد أن الحديث عن إنجازات هذه الثورة سيدوم فهى حققت حلم مصر فى الحرية و الاستقلال وعقدت اتفاقية الجلاء، ثم أممت قناة السويس وبنت السد العالى وكسرت احتكار السلاح والانحياز للغالبية العظمى من الشعب المصري، وهو الانحياز الذى ضمن للثورة النجاح فانحازت الثورة للجماهير والشعب المصري العظيم نتج عنه حصولها منذ اللحظة الأولى على الشرعية منحها الشعب الذى وصفه الزعيم جمال عبد الناصر بالشعب المعلم فمنح الضباط الوطنيين الشرعية ومكنهم بالاستناد إليه من ضرب هيمنة وسيطرة كبار ملاك الأراضي الزراعية على الأرض الطيبة وأتاح الفرصة لصغار الفلاحين والمعدمين ليتنفسوا الصعداء، كما سددت الثورة ضرباتها للرأسمالية المصرية والمتمصرة والأجنبية الفاسدة، والتى كانت تتعاون مع المرابين وقوى الاستعمار.
وأضاف: نجحت الثورة فى حراك اجتماعى صاعد، حيث أتاحت الفرصة للعمال والفلاحين للالتحاق بالجامعات بعد مجانية التعليم. وأضافت 10 جامعات جديدة ونفذت ثورة ثقافية هائلة فشجعت الإبداع وأنشات المجلس الأعلى للثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة وتشجيع الترجمة وإنشاء أكاديمية الفنون الجميلة. الثورة كانت ملهمة على المستوى العربى والإفريقي والعالمى وأصبحت مبادئ ثورة يوليو تنتشر فى دول العالم الثالث فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.