من حين لآخر يخرج البعض علينا متباكيا على فترة ما قبل ثورة يوليو، عازفا على وتر الحياة الرغدة التى كانت سائدة، والنعيم الذى كان يعيش فيه المصريون، وعلى ألقاب الباشاوية والبكاوية التى يمنحها القصر لمن يشاء ووقتما يشاء، وكل هذا به كذب كبير وتدليس غير طبيعى.
فقد ساءت أحوال المجتمع المصرى بصورة كبيرة ما قبل ثورة 23 يوليو 1952، وذلك بسبب انصراف حكام البلاد عن الإصلاح الاقتصادي، والاعتماد على مشروعات مسكنة كالهبات الملكية لصغار المزارعين فى بعض المناطق بالجمهورية، أو المنح التى كانت توزع بمناسبة عيد ميلاد الملك أو عيد جلوسه على العرش أو بمناسبة إنجابه!
الثابت، من واقع ما هو منشور فى صحافة تلك الأيام أنه لم تكن هناك سياسة اقتصادية واجتماعية واضحة تعمل على تنمية البلاد، بل كانت فى معظمها مشروعات عشوائية يخضع بعضها للسيطرة الاستعمارية التى عملت على توجيه هذا الاقتصاد لخدمة مصالحها، ناهيك عن الاعتماد على زراعة واحدة وهى القطن، الأمر الذى من شأنه أن يعرض الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهزات عنيفة.
وشهد المجتمع المصري فى فترة ما قبل يوليو 1952، خللا واضحا فى بنائه وتفاوتا كبيرا بين طبقاته، وتربعت فى أعلى السلم الطبقى فئة قليلة العدد تزداد غنى يوما بعد يوم، بينما بقيت أسفل القاعدة الشعبية العريضة التى لا تملك شيئا من الفلاحين والعمال الذين قضوا حياتهم محرومين، فزادت الفجوة اتساعا بين الغنى والفقير، كما لم تعمل الحكومات على النهوض بالطبقات الفقيرة والمعدمة، وإنصاف الفلاح والموظف والعامل البسيط.المصريون قبل ثورة يوليو.
بعض الإحصائيات التى نشرتها هيئة الاستعلامات المصرية تؤكد سوء توزيع ملكية الأراضى الزراعية، حيث إنه من مجموع مساحة الأراضى المزروعة البالغة ستة ملايين فدان تقريبا كان هناك 280 مالكا فقط يمتلكون 583،400 فدان فى حين كان مليون ونصف مليون مالك لا تزيد ملكية الواحد منهم على نصف فدان، بل إن الغالبية العظمى من الملاك الزراعيين كانت لا تزيد ملكية الواحد منهم على ربع فدان.
ولهذا قامت ثورة يوليو، وكان بيانها الأول معالجا لقضية الفساد والرشوة التى سادت فى المجتمع فى هذا الحين، قامت ثورة يوليو بالعيد من الإجراءات الناجحة لتحسين الحالة الاجتماعية فى مصر، ومنها على سبيل المثال قانون الإصلاح الزراعى الذى راعى التوزيع والملكية المتساوية بين صغار الفلاحين، وهو ما أعطاهم فرصة لتنويع مصادر الزراعات وعدم الاعتماد على زراعة واحدة فقط.
قوانين التأميم كذلك أضفت على الحياة الاجتماعية فى مصر تناغما نسبيا، حتى وإن تضررت فئة من تلك القرارات، وتم اعتماد سياسة اقتصادية وطنية ومشروعات قومية كبرى كالسد العالى بناء مصانع الحديد والصلب والغزل والنسيج وغيرها، وكذلك إصدار الحكومة مرسوما بإنشاء المجلس الاستشارى الأعلى للعمل يختص ببحث مشكلات العمل والعمال، وإنشاء الاتحاد العام لنقابات عمال مصر فى يناير 1957، وصدور قوانين تحدد الحد الأعلى للمرتبات والدخول الفردية بغرض التقريب بين الطبقات الاجتماعية فى عام 1961، كل هذا ساهم بشكل واضح فى تحسين البيئة الاجتماعية للمصريين، وتكوين ما سمى حينها بالطبقة الوسطى.ثورة يوليو
هذا تكرر تماما مع 30 يونيو، فكانت العدالة الاجتماعية هى أحد المطالب التى نادى بها الشعب المصرى بعد أحداث 2011، إلا أن الإخوان ومن والاهم انحرفوا بهذا المطلب، وعملوا على توجيهه لمصالحهم الشخصية، إلا أن الشعب عاد وتدارك الأمر فى يونيو 2013، معيدا رفع الشعار من جديد.
وما إن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسؤولية حكم البلاد فى 2014، بدأت حركة الإصلاح الاجتماعى بكل قوة، وذلك من خلال مشروعات الحماية الاجتماعية الكبيرة التى أعادت أيضا الكثير من العدالة فى المجتمع بين الطبقات، ومن بين المشروعات تلك مظلة التأمين الصحى الشامل، وكذلك مشروع تكافل وكرامة، وحياة كريمة، وغيرها من المشروعات القومية التى ساهمت فى توفير فرص عمل وإعطاء الفرصة من جديد لبعض الفئات للمساهمة فى تحسين أوضاعهم الاجتماعية.السيسى يفتتح مشروعات تنموية جديدة فى الصعيد
سيذكر التاريخ أن هاتين الثورتين نادتا بالعدالة الاجتماعية، وسيذكر التاريخ أيضا أن الإجراءات التى اتخذها القائمون على الثورتين ساهمت بقدر كبير فى تحقيقها.