حورية عبيدة تكتب: المُختارون

حورية عبيدة تكتب: المُختارونحورية عبيدة تكتب: المُختارون

*سلايد رئيسى12-2-2018 | 15:27

حربٌ ضَروس تعصف بعالَمنا العربي كله؛ ينتشر الدَّمار وتعمّ ُفوضى عارمة؛ تتلوث مياه الشرب؛ فيفرَّ بعض الناجين المُنهكين - وبينهم شَيخ كبير- بأسمالٍ بالية؛ لا يحملون غير أسماءهم العربية: إدريس؛ مريم؛ أبوعيسى؛ قيس؛ داوود، البحث عن المياه هاجسهم الأول، يتراءى أمامهم بَصيص أملٍ حال يُبصرون مبنى بعيداً؛ يقتربون فيجدونه مصنعاً - مُدمَّراً - للطائرات الحربية؛ لكنه كبير بما يكفي إيواءهم، يعلوه خزان مياهٍ نظيفة فتعتريهم الفرحة، يفترشون أرضه ويبدؤون في ترتيبه وحراسته سيَّما المياه، يتولى شيخهم مهمة تخزين الطعام والسلاح لمواجهة قادمات الأيام؛ مُعلِقاً برقبته مفتاح الخزّان في سلسلةٍ. ذات ليلٍ تطرق الباب امرأة بادية التعب والإرهاق تتكلم لغةً لا يفهمونها؛ تطلب الاحتماء بهم هَرباً مِن رَجل يسعى وراءها بالطريق محاولاً اغتصابها، يُصدِّقون علامات البؤس التي تطل من قَسمات وجهها، بعد قليل يسترعَى انتباههم قدوم غريبٍ يقترب بحذرٍ ويكاد يهلك من العطش؛ فيرحبون باستضافته - بعد أن استدرّ عاطفتهم - عدا الشيخ الكبير الذي توجَّس منه؛ لكنه مضطرا ًيخضع لرأي الأغلبية دون أن يبادل الغريب راحةً براحة. تمر الأيام متباطئة والغريب "موسى" يحاول التودد للجميع واستمالة الشيخ بشكلٍ خاص حتى عرف أين يُخزِّن الطعام والسلاح، وحين يلمح المفتاح مُعلقاً على صدره يُشهر فجأة سلاحاً خبَّأة مُذ وصوله؛ فيقتل الشيخ ويصرخ مُعلناً أنه القائد وعلى الجميع الانصياع لأوامره، يبدأ تحت تهديد السلاح في تفريق الجمْع وإحداث الوقيعة بينهم، وتتبدَّى الحقيقة حين يدركون أن المرأة ضابطة استخباراتية متعاونة مع الغريب ويقومان معاً بإذلالهم، يتساءل النَّاجون - من حروب بلادهم - عما سيفعلونه إزاء مواجهة خطر عدويهما؛ فيسْخر أحدهم قائلاً: وماذا يتوجَّب علينا فعله؟ وهل فعلنا شيئاً طوال حياتنا غير انتظار المجهول؟! يختفي الغريب ذات صباح فيكاد العطش يفتك بالجميع، يقررون الصعود لأعلى الخزان أملاً في جَلب بعض مياهه، في الطريق إليه تنفجر عبوة ناسفة فتطيح بواحدهم، لكنهم يواصلون السير فيصعد أحدهم السلم الحديدي؛ وما إن يملأ الزجاجة ويلقيها إليهم حتى تنفجر عبوة أخرى تودي بحياته وتدمر خزان المياه ذاته، وسْط صراخهم وذهولهم تُراق المياه لتبتلعها الأرض، فيتخاطفون الزجاجة الوحيدة أيهم أحق بها، يتقاتلون وهم يتقاذفونها لتسقط مهشمةً؛ فيبدؤون من جديد مهمتهم الشاقة في البحث؛ بعد أن أشرفوا جميعهم على الهلاك. وسط خرائبٍ ومبانٍ طالها التهديم والتدمير؛ يبصرون بيتاً قديماً فينطلقون مسرعين نحو خزان مِرحاضه ليملؤوا منه، فجأة تَندُّ عن أحدهم صرخة هائلة إِثر اشتعال جسده بقذيفة نارية مجهولة المصدر فيموت محترقاً؛ ويَعتري المكان فجأة حريق مُستعِر، يفر الفزِعون متدافعين نحو الخارج ليجدوا المرأةوالغريب "موسى"بزيٍ عسكري ٍفي انتظارهم، يتقدم "الغريب" بدمٍ باردٍ والسِّكين بيده ليذبح أحدهم ببشاعة فائقة. يبقى الشابان "قيس" و"مريم" وحدهما على قيد الحياة، ساعتها تخبرهما المرأة أن واحدهما سيظل حياً؛ وسيُوضع على ذراعه وشمٌ دليل انضمامه لـ "دولتهم" رغم أنفه! والثاني سيترك مُعلقاً في العراء حتى يموت وتتعفن جثته، والاختيار بينهما طبقا لقاعدة: "أيهما الأقوى، إذ أن "دولتهم" تؤمن أن الحياة يستحقها الأقوياء فقط، والتخلص من الضعفاء سُنتهم المُتَّبعة.. يلتصق الشابان بعضهما البعض ويقاومان كل المصائد والخدع المنصوبة لهما في كل الاتجاهات؛ وكلٌ منهما حريص في ذات الوقت على حياة الآخر، لتنزل كلمة النهاية؛ تاركةً المُشاهِد يضع نهايةً لائقةً أو مُحتَّمةً. "المختارون" فيلم عربي بامتياز؛ تمثيلاً وتأليفاً وإخراجاً بل وواقعاً مُعاشاً وخطراً يقترب منا مُهروِلاً، من سوريا والأردن والإمارات كان الممثلون، أما المنتج فمن هوليوود، الفيلم يحمل رسالة مباشرة تامة الوضوح لذوي البصر فما بالنا بأصحاب البصيرة؟ يطرح سؤاله المصيري المُفزع: النَّصر للغريبين أم لمريم وقيسها؟ بقِي أن أُنوِّه أن الفيلم حدد عام 2033 م موعداً لتلك التهلكة التي تنتظرنا، وإن كنتُ أرى أن الأمر أقرب من ذلك بكثير؛ وقد بدأت إرهاصاته مُذ أمدٍ.
أضف تعليق

إعلان آراك 2