إذا كان المسرح هو أبو الفنون فإن السينما هى فن القرن العشرين بامتياز، ومنذ بدايات هذا الفن الوليد وقتها استفاد كثيرًا من المسرح لدرجة أن الأفلام الأولى لم تكن فى الحقيقة إلا تسجيلاً للمسرحيات الشهيرة لكبار النجوم والنجمات مثل الفرنسية ذائعة الصيت (سارة برنار).
وفى مصر لم يختلف الأمر كثيرًا حيث كان نجوم السينما الأوائل هم نجوم المسرح الكبار، وفى وقت مبكر استفادت السينما من تحويل مسرحيات نجم المسرح الأشهر «يوسف وهبى» إلى أفلام كما فى «أولاد الفقراء» الذى اشترك فيه نجوم مسرح رمسيس مثل «أمينة رزق»، كما قدم «يوسف وهبى» تجربة فريدة هى مسرحية «كرسى الاعتراف» التى أعد عنها فيلمًا سينمائيًا مختلفًا ينطق بالفصحى، وتشاركه البطولة نجمة سينمائية صاعدة ليس لها خبرة مسرحية تقريبًا هى «فاتن حمامة».
ولأن الستينيات هى بالإجماع العصر الذهبى للمسرح المصرى الذى قدم إبداعات «نعمان عاشور» و«سعد الدين وهبة» و«ألفريد فرج» و«ميخائيل رومان»، فقدم «عاشور» القصة والسيناريو والحوار لمسرحيته المعروفة «الناس اللى تحت» فى فيلم قام ببطولته «يوسف وهبى».
وعادت السينما لاستخدام أعمال «توفيق الحكيم» رائد المسرح المصرى الكبير الذى ظهرت أولى مسرحياته على الشاشة الكبيرة فى الأربعينيات فى فيلم «عبد الوهاب» الشهير والجميل «رصاصة فى القلب»، وكان من اللافت فى هذا الفيلم أن هناك درجة من التحرر فى السرد كأن يتحول الحوار المسرحى بأكمله إلى ديالوج غنائى شهير هو «حكيم عيون»، بالإضافة إلى أغنيات أخرى لا تنسى.
وعندما عادت السينما إلى مسرح «الحكيم» فى الستينيات قدمت له فيلمًا أصبح اليوم من كلاسيكيات تلك الفترة هو «الأيدى الناعمة»، وقد ساهم فى نجاحه الأغنيات بالإضافة إلى حفاظ «يوسف جوهر» كاتب السيناريو على مضمون حوار «الحكيم» المسرحى خاصة حكاية الأستاذ «حتى» المعروفة، والتى أصبحت من أشهر حوارات الأفلام.
وخلال الستينيات قدمت السينما فيلم «شفيقة القبطية» لـ «جليل البندارى» بعد نجاح المسرحية التى تحمل نفس الاسم، وكان الفيلم من إخراج «حسن الإمام» الذى ارتبط بالميلودراما وقصص حياة الراقصات.
تراجعت ظاهرة اقتباس المسرحيات وتحويلها إلى أفلام فى السبعينيات ومن أبرز هذه التجارب تحويل المسرحية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» إلى فيلم فاشل بنفس الاسم لكن بأبطال آخرين هم «عبد المنعم مدبولى» و«محمد عوض» و«نور الشريف» و«سمير غانم» وإخراج «حسام الدين مصطفى».
أما التجربة الثانية فهى أفضل بكثير حيث قدم «مصطفى محرم» إعدادًا ذكيًا لمسرحية «العش الهادئ» فى فيلم بنفس الاسم قام ببطولته «محمود ياسين» و«برلنتى عبد الحميد»، ولعل آخر علاقة للسينما المصرية بالمسرحيات الناجحة عندما ظهرت فى بداية الألفية الجديدة "موضة" تسجيل مسرحيات ناجحة مثل «الزعيم» وتحويلها إلى أشرطة سينمائية، لكن لحسن الحظ لم تستمر الظاهرة بعد أن أصبحت المسرحيات متاحة على الفضائيات صباح مساء.