كانت الأميرة ديانا بالنسبة للملكة إليزابيث فى نهاية المطاف "فتاة صعبة المراس"، أما ديانا فكانت تقول إنها "تحب حماتها حباً جماً" ومستعدة لعمل أى شىء من أجلها.
ولكن الملكة لم تأخذ كثيراً هذه المشاعر على محمل الجد، خصوصاً بعد أن لمست الأثر الذى تركته ديانا، أميرة ويلز، على الأسرة الملكية فى حياتها ومماتها.
جاء هذا فى تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى"، قائلة إنه مما لاشك فيه أن الاقتران بفرد من الأسرة الملكية خطوة تتطلب كثيراً من الشجاعة من شخص لا ينتمى إليها، حتى وإن كان عليماً بعاداتها وخباياها كما كانت ديانا.
ولدت ديانا فى أسرة أرستقراطية، وقضت شطراً من طفولتها فى قصر بارك هاوس الذى لا يبعد إلا قليلاً عن المنتجع الملكى فى ساندرينجهام فى مقاطعة نورفولك، ورأت الملكة فيها الفتاة المناسبة لحمل لقب أميرة.
ولكن، وكما اتضح سريعاً، لم تكن ديانا، تلك الفتاة العاطفية الصغيرة والقليلة الخبرة ذات العشرين عاماً، مهيأة تماماً لحياة البلاط الملكى المنظمة بدقة شديدة تتناسب مع أسلوب حياة كبار السن.
ولم يساعدها زوجها المستقبلى، الأمير تشارلز، كثيراً لتتكيف مع أسلوب الحياة الجديدة، فشخصيته الرسمية والانطوائية إلى حد ما كانت على النقيض من شخصية زوجته المرحة والمنفتحة والمنطلقة، وإضافة إلى ذلك كان تشارلز لا يزال يحمل مشاعر الحب لصديقته السابقة كاميلا باركر بولز.
وبدا أن إجابته على سؤال وجهه له أحد الصحفيين حول مشاعره تجاه خطيبته خلال فترة الخطبة، عندما قال "بغض النظر عن الحب" بنبرة تفتقر إلى الحماس، قد وضعت الحجر الأساس لعلاقتهما المستقبلية.
أما الملكة، فكانت تؤمن بمبدأ تجنب التدخل فى زواج وحياة أبنائها الزوجية قدر الإمكان.
مزاجية
حسب "بى بى سى"، رأى بعض المعلقين حينذاك أنه كان على الملكة أن تتدخل فى الموقف وتساعد الأفراد الجدد المنضمين إلى الأسرة الملكية على التأقلم مع الحياة داخل الأسرة.
شعرت ديانا بالعزلة والحيرة، إذ لم تكن تعرف ما المطلوب منها، كما خاب أملها عندما لم تحصل على التقدير الذى اعتقدت أنها تستحقه عندما كانت تحسن التصرف.
أما الملكة اليزابيث، مثلها مثل ابنها تشارلز، فكانت ترى فى الاندفاع العاطفى الذى كانت تتميز به ديانا مصدر إحراج للمؤسسة الملكية ويصعب التعامل معه، فقد كانت تجربة الملكة الشخصية معاكسة لذلك تماماً وهى أن المشاعر والعواطف لا يجب الإفصاح عنها.
لم يعرف الأمير تشارلز ولا الملكة التأقلم مع مزاجية ديانا ورغبتها الجامحة بأن تكون محط اهتمام الآخرين ورعايتهم، فعلى سبيل المثال ألقت ذات مرة بنفسها من السلم عندما كانت حبلى بالأمير وليام، رغم أن مثل هذا السلوك لم يكن مألوفاً لدى الأسرة الملكية.
كما لم يكونا مستعدين للتعامل مع براعة ديانا فى كسب ود الإعلام وفى النهاية وقوف الرأى العام إلى جانبها.
ونظرت الملكة بكثير من خيبة الأمل إلى انهيار هذا الزواج الذى عقدت عليه كثير من الآمال، وحاولت من خلف الكواليس أن تلطف الاجواء بين تشارلز وديانا، إذ كانت تعلم أن فشل هذا الزواج قد يكون له عواقب وخيمة على مستقبل الأسرة الملكية.
قرار خطير
لكن عندما تدهورت العلاقة بين تشارلز وديانا، تخلت الملكة عن تحفظاتها فى التدخل فى حياتهما الزوجية ودعتهما إلى اجتماع صريح وحثتهما على بذل مزيد من الجهود فى محاولة أخيرة لإصلاح العلاقة بينهما.
ولكن المحاولة فشلت، وبعد أن عرضت ديانا وجهة نظرها حول الخلاف بينها وبين تشارلز من خلال برنامج (بانوراما) الذى تبثه بى بى سى، تدخلت الملكة مجدداً وكتبت إلى الزوجين قائلة إن الطلاق هو المخرج الوحيد الآن.
تقول "بى بى سى" إن الملكة حاولت جاهدة أن تظل على علاقة طيبة مع ديانا من أجل حفيديها، ولكن علاقتهما فترت عقب الطلاق.
عقب مقتل ديانا فى حادث سير بباريس واجهت الملكة تهمة إساءة تقدير مزاج الرأى العام في البلاد بقرارها البقاء فى قصر بالمورال فى إسكتلندا من أجل مواساة حفيديها.
واضطرت إلى العودة إلى لندن تحت ضغط وسائل الإعلام والرأى العام.
وفى سابقة هى الأولى من نوعها، وقبيل دفن ديانا ألقت الملكة إليزابيث الثانية كلمة متلفزة مباشرة تحدثت فيها بصراحة عن زوجة ابنها.
كانت كلمة بارعة أكدت فيها على المشاعر الإنسانية التى كانت تتمتع بها الأميرة الراحلة ومساهمتها فى حياة المجتمع.
وشعر كثيرون بأن الملكة نجحت فى إنقاذ الأسرة الملكية من السقوط.
وعند مرور جنازة ديانا أمام قصر باكنجهام، أحنت الملكة رأسها احتراماً لأميرة شابة حظيت بحب واحترام الكثيرين ولكنها ظلت بالنسبة إليها لغزاً محيراً حتى النهاية.